في سجلات الدول وتاريخها الوطني، مناسبات وأيام للفخر والاعتزاز الوطني، يلتف فيها الجميع يد واحدة وقلب واحد وجسد واحد، تحت راية العلم، الذي يرمز إلى الوطن والدولة، ومن هذه الأيام في دولة الامارات العربية المتحدة، "يوم الشهيد"، الذي قررت قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تخصيص يوم الثلاثين من نوفمبر للاحتفال به، حيث تحول هذا اليوم إلى واحد من مناسبتنا الوطنية العزيزة، التي يتجلى ويسطع فيها شعار "البيت متوحد" وتتلاقى القلوب والأيادي والمشاعر للاحتفال بتضحيات شهداء قواتنا المسلحة الأبرار، الذين جادوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل الدفاع عن وطننا ومصالحه الاستراتيجية، والدفاع عن الأشقاء واغاثة الملهوفين والاستجابة لندائهم في مواقف تعكس قيم الأصالة والشهامة الاماراتية العريقة.
ولاشك أن يوم الشهيد ليس مناسبة عادية، بل يوم لاستخلاص الدروس والعبر العميقة، وغرس قيم الولاء والانتماء في نفوس النشء واستحضار بطولات الشهداء، الذين قدموا القدوة والنموذج في البذل والعطاء، وضربوا أروع الأمثلة، التي ستتناقلها الأجيال الحالية والمقبلة، لأن هذه الدماء الطاهرة بذلت دفاعاً عن الحق والواجب وانتصرت للمبادىء والثوابت والشرعية في دولة عربية شقيقة، تعرضت لتهديد مصيري وجودي، واستشعر أبنائها خطراً جسيماً جراء سيطرة جماعة باغية على السلطة والشرعية الدستورية، فما كان من القيادة الرشيدة، سوى الانتصار للمبادىء، التي تأسست عليها دولتنا الفتية على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وماكان من شهداؤنا الأبرار سوى بذل الغالي والنفيس من الدماء والأرواح من أجل ترجمة مايؤمنون به من قيم ومبادىء غرستها أمهات أصيلات في نفوس هؤلاء الأبطال.
يوم الثلاثين من نوفمبر هو يوم الوطن، ويوم الشهيد، فالشهيد هو روح الوطن، وسيظل في قلب القيادة الرشيدة والشعب الوفي، فالشهداء هم رموز للولاء والانتماء والشجاعة والإقدام والفداء والايثار وحب الوطن وهم من بذلوا دمائهم وأرواحهم في ساحات العز والشرف من أجل رفعة الامارات وعزتها، فلم يهابو الموت وكانوا شجعاناً في ساحات الحق والواجب، وترجموا إيمانهم القوي الراسخ بأن الشهادة في سبيل الوطن هي الغاية والهدف الأسمى لهؤلاء الأبطال.
وسيظل شهداؤنا الأبرار قدوة ونموذج نفخر ونقتدي به جميعا، فتضحياتهم هي مشاعل النور والأمل، لمستقبل الامارات وأجيالها الحاضرة والمقبلة، وهي السجل الحافل بالعبر والدروس ومخزون القيم الوطنية لهذه الأجيال، حيث اثبت هؤلاء الأبطال أن الامارات ثرية برجالها وأبطالها، وأن قيم التضحية والبذل والعطاء متوارثة في هذه الأرض الطيبة.
ولقد جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، بشأن تدشين نصب تذكاري للشهداء في مدينة أبوظبي، بالتزامن مع يوم الشهيد، لتضفي على احتفال دولتنا وشعبنا بيوم الشهيد هذا العام عمقاً وبعداً وطنياً جديداً، فالنصب التذكاري يؤكد مدى اعتزاز القيادة الرشيدة بتضحيات أبناء الامارات وفخرها بهذه التضحيات، حيث وضعتها في صدارة الاهتمامات، وجعلت منها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ هذا الوطن، فكان التوجيه باقامة النصب التذكاري بمنزلة تأكيد على ضرورة وجود رمز لهذه التضحيات، فالدول تحتفي بشهدائها كجزء من سيرتها الوطنية وذاكرتها ومسيرتها وتاريخها، والأماكن التذكارية هي جزء أصيل من هذا التاريخ، الذي يستحضر السير والبطولات والأمجاد، كي لا تبقى حبيسة الكتب والأدراج والعالم السيبراني، بل تبقى ماثلة شامخة أمام أعين أبناء الوطن والمقيمين فيه والسائحين والزوار كافة.
ولاشك أن النصب التذكاري للشهداء في أبوظبي سيمثل ايقونة وطنية للبطولات والتضحيات، وسيكون رمز للوفاء والولاء والانتماء، وبرهان كاشف على أن الامارات لا تنسى تضحيات أبنائها، فهم "عظم رقبة" وعظام الرقبة لا تنفك على الجسد ولا تنفصل عنه، ومن ثم فالنصب التذكاري سيكون شاهد على مجمل هذه القيم والمبادىء، وسيظل رمز لما بذله أبناء هذا الشعب في سبيل رفع راية الامارات عالية خفاقة.
إن يوم الشهيد هو ايضاً يوم الاحتفاء بذوي الشهداء وأمهاتهم الأبطال وابنائهم، فهم جميعاً قرة عين الامارات وقيادتها وشعبها، فلم تبخل عليهم قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأي شىء، كما يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على متابعة أحوالهم بنفسه من خلال ديوان سموه، الذي أنشىء فيه مكتباً متخصصاً كل مهمته التواصل مع أهالي الشهداء وتلبية احتياجاتهم، ولا يترك سموه مناسبة إلا ويشاركهم فيها ويحرص على وجود أبنائهم وأمهاتهم وأسرهم، فهو من اعتبرهم "عظم رقبة"، ومن ثم فلا يترك، حفظه الله، مناسبة، إلا ويعبر فيه عن عمق إيمانه بما قال، واحساسه القوي بتضحيات هؤلاء الأبطال، فالشهادة ستظل تاج على رؤوس أمهات الشهداء الأبرار وأبنائهم وأهلهم وذويهم كافة، وليفخر شعبنا بهؤلاء الشهداء، مشاعل النور، وليسجل التاريخ أن الامارات تضع أبطالها وشهداؤها فوق الأعناق، وهنيئا للامارات بهذه الروح الوطنية الفريدة، التي تعبر عن نفسها في كل مناسبة وحين بين شعب وفي وقيادة رشيدة.