تابعت في العامين الأخيرين الكثير من الكتابات والتحليلات التي تتوقع تراجعا أو انحسارا في حجم إسهامات دولة الامارات على الصعيد الإنساني والخيري ولكن ما حدث، رغم تراجع أسعار النفط وغير ذلك، أن العمل الخيري والتطوعي والإنساني في دولة الإمارات يتوسع ويتمدد ويكتسب المزيد من الأرض والدعم الذي توليه إياه القيادة الرشيدة، وعلى رأسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
لا أقول إن هذه التحليلات مغلوطة، ولكنها تنطلق من فرضيات ونظريات اقتصادية بحتة لا تأخذ باعتبارها البعد القيمي في السياسة الإماراتية، فالعمل الخيري والإنساني في دولة الإمارات ليس رقميا جامدا كي يعلو ويهبط بفعل متغيرات رقمية أخرى، بل يكتسب قوته من الأطر الأخلاقية والإنسانية الحاكمة لدولتنا.
هذا الأمر يفسر إعلان الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أن عام 2017 سيكون عاما للخير، في مبادرة تتضمن محاور للعمل الدقيق من أجل ترسيخ ثقافة العطاء والعمل التطوعي التشاركي في دولة الإمارات، وبحيث يصبح القطاع الخاص شريكا في منظومة العمل التطوعي انطلاقا من مسؤوليته الاجتماعية كما هو الحال في الدول المتقدمة.
اللافت في الأمر أن الإمارات تؤمن بأن دورها ورسالتها الإنسانية هي مجال للتنافس، وهي ربما تبدو متفردة في هذا الإطار، لأنها ليست الدولة الوحيدة التي تنفق بسخاء على العمل الإنساني، ولكنها متفردة لسببين؛ أولهما أنها احتلت المركز الأول لعامين متتاليين في تقديم المساعدات الإنسانية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، والسبب الثاني أنه دور إنساني لا يرتبط بأهداف ومصالح سياسية أو اقتصادية، كما هو الحال بالنسبة إلى دول أخرى، كما لا يرتبط هذا الدور بلون أو دين أو جنس أو عرق، فهي جهود تضع الإنسانية عنوانا صريحا وواضحا لها، ولا شيء غير ذلك.
في الإمارات فقط نسمع عن ربط بين العمل الإنساني ومفاهيم مثل الرؤية الاستراتيجية والتخطيط والمأسسة، وهذا الأمر يعكس حجم الاهتمام بهذا الجانب باعتباره بعدا أساسيا في السياسة الخارجية للدولة، فهو ليس عملا جزافياً أو خاضعا للتقديرات المتقلبة، بل هو نتاج رؤية واعية لرسالة عالمية تؤمن بها دولتنا وقيادتنا، التي خصصت عاما كاملا للخير، فهناك إيمان راسخ باستمرارية الفكر والتخطيط من أجل الوصول إلى عمل حقيقي وإنجاز نوعي، وهذا ما سبق أن خبرناه عند تخصيص عام للقراءة وعام للابتكار.
كانت لدينا أيام للعمل الإنساني، مثل يوم زايد للعمل الإنساني، الذي تحتفل به الدولة سنويا بناء على قرار مجلس الوزراء في شهر نوفمبر 2012 بتسمية يوم التاسع عشر من رمضان من كل عام الموافق لذكرى رحيل مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يوم زايد للعمل الإنساني إحياء لذكراه الغالية.
الأمر الرائع في مبادرة عام الخير أنها تستهدف القطاع الخاص بشكل رئيسي، فهو الشريك المحوري في عملية التنمية، ومنذ سنوات نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية لهذا القطاع الحيوي، ولكن عام 2017 سيشهد تجذيرا لهذا المفهوم وتأصيلا وترجمة جادة له في الواقع الإماراتي، بحيث يصبح مفهوم المسؤولية الاجتماعية واقعا حقيقيا في دولة الإمارات، ويصبح عام 2017، عاماً لخير الوطن والمواطن معا، بحيث يترسخ العمل التطوعي والخيري لدى الجميع، بما يحقق أفضل الفرص لتنمية المجتمع الإماراتي.
لن تكون هناك صعوبات تذكر في تكريس ثقافة العمل الخيري بدولتنا، فهي ثقافة موجودة وتنمو في بيئة مرحبة بها، ولكن الجديد ربما يكمن في مأسسة هذه الجهود وتوسيع نطاقاتها بشكل هائل من خلال جهد رسمي يندرج ضمن مبادرة عام الخير. عام الخير هو رسالة حب وتسامح للعالم، وهي رسالة نحتاجها، كعرب ومسلمين بقوة، لمعالجة ولو جزء بسيط من الكوارث والتشويه الذي لحق بصورتنا وصورة ديننا الإسلامي جراء جماعات الإرهاب، علما بأن الإمارات لا تقوم بهذا الجهد كمعادل موضوعي للوجه الآخر السيء الذي بات يرتبط بمنطقتنا العربية والإسلامية، فدورها الإنساني إرث محفور في ذاكرة البشرية منذ تأسيس الدولة في عام 1971، ولكن هذا الدور بات مطلوبا بإلحاح لأننا بحاجة إلى تعريف العالم بحقيقة قيمنا وديننا واعتدالنا في الإمارات، باعتبارها نموذجا حقيقيا لدولة عربية إسلامية معتدلة، وفي الوقت ذاته قادرة على المواءمة الفاعلة بين هويتها من ناحية، وانخراطها الإيجابي في موجة العولمة والتقدم والتحضر والتطور الإنساني من ناحية ثانية.