يتوقع أن تشهد الأزمة السورية تطورات نوعية على مدى الأسابيع القلائل المقبلة، وتحديدًا عقب تسلم الرئيس الأمريكي الجديد مهام منصبه في العشرين من يناير 2017، وهذه التطورات تتعلق أساسًا بمواقف الأطراف الأربعة المحورية في سوريا، وهم الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، وكيفية إدارة العلاقة بينهم في ظل وجود متغير رئيسي جديد يتمثل في إدارة الرئيس ترامب بكل ما تحمله من مواقف ورؤى وتصورات جديدة للتعاطي مع الأزمة السورية.
لاشك أن جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية تنتظر قدوم الإدارة الجديدة للتعرف إلى مواقفها وما يمكن أن تأتي به، خصوصًا أن ترامب كان، ولا يزال، كثير الانتقاد لأسلوب إدارة الرئيس الحالي أوباما في التعامل مع سوريا.
بعد سلسلة من المواقف الغامضة، والمتناقضة أحيانًا، قال الرئيس ترامب مؤخرًا إنه يعتزم انشاء مناطق آمنة هناك، وهذا المقترح ليس جديدًا بل سبق طرحه ورفضته إدارة الرئيس أوباما، ويتوقع أن يثير خلافات عميقة بين الأطراف التي تتحاور الآن حول مستقبل سوريا، وهم تركيا وإيران وروسيا.
تركيا هي أكثر الأطراف الاقليمية والدولية اقتناعًا وتأييدًا لفكرة إقامة مناطق آمنة في سوريا، أما روسيا وإيران فتعارضانها بشدة بسبب قلقهما من استغلال هذه المناطق في دعم وتقوية نفوذ الجماعات الإرهابية، بمعنى أن تكون هذه المناطق مأوى لهذه الجماعات، وهو تخوف بديهي وقابل للتحقق بغض النظر عن النوايا الإيرانية السيئة حيال سوريا والأهداف الحقيقية التي تقف وراء التدخل الإيراني البغيض في هذا البلد العربي العريق.
ثمة تعقيد آخر يمضي بموازاة ما سبق، ويتمثل في إدارة العلاقات المعقدة بين روسيا والولايات المتحدة وإيران، فإدارة ترامب تريد أن تصلح العلاقات مع روسيا، وفي الوقت ذاته تحقق أهدافها الاستراتيجية في إدارة الصراع مع إيران، لاسيما فيما يتعلق بمصير الاتفاق النووي.
في ضوء ما سبق يطرح تساؤل بديهي: من يضحي بمن في الصراع حول سوريا؟ هل تضحي روسيا بالحليف الإيراني، أم تضحي بعلاقتها الجيدة مع الرئيس ترامب؟
الإشكالية أن الإدارة الأمريكية الجديدة سيتعين عليها التوصل إلى تفاهم مع روسيا حول سوريا كما ذكرت، ولكنها ستعمد أيضًا إلى تصعيد الضغوط، ولاسيما على صعيد العقوبات، تجاه إيران.
في التفاصيل على أرض الواقع في سوريا، هناك تصادم مصالح محتمل بين روسيا وإيران، ويبدو هذا الصدام أكثر احتمالًا كلما حقق النظام السوري مزيد من الانتصارات بمساعدة ودعم حلفائه الروس والإيرانيين، بالإضافة إلى "حزب الله" اللبناني، وكل طرف من هؤلاء يسعى إلى الفوز بأكبر نصيب من "كعكة" تقاسم المصالح.
ولئن كانت الحرب ضد تنظيم "داعش" قد وحدت روسيا وإيران، فإن المرحلة المقبلة تحمل تباينات في المصالح، فالقوة الجوية الروسية لم تعد ذات أهمية كبيرة في مراحل ما يعرف بتطهير المدن من الإرهاب وغير ذلك، فضلًا عن ضعف جدواها العملياتية في حروب المدن، التي يجيدها الحرس الثوري الإيراني وعناصره وقادته الموجودين على أرض سوريا، وفي مقدمتهم الجنرال قاسم سليماني، الذي ظهر مؤخرًا في لقطات وهو يتجول في مدينة حلب، التي تنطوي على أهمية استراتيجية كبيرة للمشروع الإيراني في سوريا.
بالنسبة لعلاقة الرئيس ترامب المحتمل مع نظيره الروسي، فهي ستكون في جميع الأحوال أفضل من علاقة بوتين بالرئيس أوباما، أما بالنسبة لعلاقة ترامب بإيران فالمؤشرات واضحة وجلية، حيث اختار ثلاث شخصيات في إدارته الجديدة من الصقور المعادين لإيران، وهم الجنرال مايكل فلاين مستشارا للأمن القومي، وجيمس ماتيس وزيرا للدفاع، ومايك بومبيو مديرا لوكالة المخابرات المركزية (سي آى ايه).
يتعين على الرئيس ترامب أيضًا أن يحسم موقفه إزاء مستقبل الرئيس بشار الأسد في السلطة، وهي نقطة أساسية في هذا الملف، فهو يدرك تمامًا أن وجود الأسد يخدم إيران ويحقق مصالحها في هذا الصراع، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا، التي يمكن أن تتوصل لتفاهمات بمرونة أكثر من إيران فيما يتعلق بمصير الأسد، ولكن ترامب سيغضب الجانب السعودي فيما لو قبل ببقاء الأسد على كرسيه، ناهيك عن أن رؤيته بشان إقامة مناطق آمنة في سوريا قد تثير خلافًا مع بعض دول مجلس التعاون في ضوء حديث ترامب الأخيرة وقوله: "سوف نحاول تسوية ذلك وسوف نحاول مساعدة الناس، وسوف ننشئ مناطق آمنة، وسنطلب من دول الخليج أن تمول إنشاء تلك المناطق"، إذ إن ميزانيات دول التعاون لا تتحمل مزيدا من الضغوط المالية بسبب تراجع أسعار النفط، كما أن فكرة تمويل هذه الفكرة ربما يعني ضمنًا اعتراف بتحمل عواقب هذا الصراع، وما خلفه من كوارث وما تخلله من انتهاكات إنسانية.
من الوارد أن تضحي روسيا بإيران في حال توصلت إلى صفقة كاملة مع الولايات المتحدة وأوروبا حول سوريا وأوكرانيا، بمعنى إطلاق يد الروس والاعتراف بنفوذهم في هذين الملفين، مقابل التخلي عن دعم إيران. ولكن من الوارد بالمقابل أن يحتفظ بوتين بخططه الاستراتيجية بعيدة المدى ويبقي على علاقاته القوية بإيران، ويحاول مقايضة سوريا بأوكرانيا على أن يحتفظ في سوريا بقواعده البحرية فقط.
الأسابيع المقبلة حبلى بالمزيد من التطورات النوعية في الملف السوري، لنرى من سيضحى بمن، وإن كان الثابت الوحيد في الأمر أن الجميع قد ضحوا، ولا يزالوا، بالشعب السوري، الذي يدفع ثمنًا غاليًا لحسابات المصالح.