التزمت السياسة الخارجية الإماراتية منذ تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بمنظومة من المبادئ والالتزامات الدولية والإنسانية في سياساتها الخارجية، التي تتسم بالاعتدال والحكمة والرشادة، وتنطلق من استراتيجية ثابتة لا تتغير، ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي وتحرص على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وتعلى شأن الاحترام المتبادل في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، بالإضافة إلى التمسك بحل الخلافات والنزاعات عبر أفضل ما انتجته الخبرات البشرية المتراكمة، وهي الطرق السلمية والحوار والتفاهم، كما تلتزم دولة الامارات بدعم قضايا الحق والعدل والعمل على تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين. هذه الركائز في مجملها تشكل مقومات وأسس الدور الإماراتي، إقليمياً ودولياً، حيث تعلى الدولة قيمة الانفتاح والتعاون والحوار في العلاقات الدولية، وتسعى إلى استكمال نموذجها التنموي المتفرد، الذي يقدم صورة نمطية إيجابية مغايرة لقدرات وإمكانات الدولة العربية المسلمة في عيون العالم.
وقد مضت دولة الامارات في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في عملية التنمية، وتوظيف الموارد الطبيعية لمصلحة الانسان، وانتقلت من مرحلة "التأسيس" إلى مرحلة "التمكين" منذ عام 2005، وعززت انفتاحها الخارجي، وبدأت في تعزيز دعائم نموذجها القيمي والأخلاقي والإنساني، كي تبلور فكرة "الدولة النموذج"، اعتماداً على قوة ناعمة لها موارد وقدرات وامكانيات واضحة، أهمها الجانب القيمي، الذي يتمثل في الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، وهو جانب حققت فيه الإمارات تقدماً نوعياً كبيراً، عبر خطوات واضحة، منها وجود أكثر من مائتي جنسية يعلمون على أرض الإمارات جنباً إلى جنب تحت مظلة القانون، الذي يحمي ويصون حقوق الجميع، ومنها كذلك الحرص على تعميق أسس هذا التعايش من خلال منظومة تشريعية متطورة تعمل على نبذ العنف والتطرف والكراهية والتحريض وتكرس احترام الأديان والثقافات والحضارات والأعراق.
كما تقدم الإمارات نموذجاً عالمياً متفرداً على الصعيد الإنساني، حيث تلعب دوراً حيوياً في المجال الإنساني والاغاثي وتقدم مساعدات إنسانية مباشرة عبر العديد من منظماتها الإنسانية المتخصصة لعشرات الدول، لاسيما تلك التي تشهد حالات نزاع أو كوارث طبيعية، إذ تتصدر الإمارات قائمة المانحين الدوليين للمساعدات التنموية قياساً للدخل القومي، وقد احتلت المركز الأول عام 2016 للمرة الثالثة (بعد عامي 2013، و2014) بمجموع مساعدات إنمائية رسمية تقدر بنحو 23ر15 مليار درهم تبلغ نسبتها 12ر1% من الدخل القومي الإجمالي لدولة الامارات. فضلاً عن الدور الحيوي الذي لعبته، ولا تزال، الامارات في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، عبر مشاركات عديدة ضمن قوات حفظ السلام في الصومال وكوسوفا وجنوب لبنان وأفغانستان، وإعادة الإعمار ونزع الألغام في المناطق بعد انتهاء الصراعات.
السياسة الخارجية الإماراتية إذن هي سياسة إنسانية تصالحية، قائمة على نشر الخير والعطاء وإسعاد البشر، والانفتاح على دول العالم كافة؛ وقد جاءت مشاركة دولة الامارات ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية الدستورية في اليمن ضمن إطار الانتصار للحق والعدل ورفض الظلم والاعتداء على أمن الشعوب واستقرارها. فبعد أن دعمت دول مجلس التعاون الخليجي استقرار اليمن والتحول السياسي من خلال "المبادرة الخليجية" عام 2011، انقلبت جماعة "الحوثي" بالتعاون مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وبتحريض من دول إقليمية منها إيران، على الأوضاع، وسعت إلى السيطرة والهيمنة على مقدرات الدولة اليمنية، بما يعنيه ذلك، استراتيجياً وسياسياً وأمنياً، على الصعيد اليمني والإقليمي.ورداً على ذلك، تشكل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لإنقاذ الشعب اليمني، ورد الظلم ومحاولة توجيه العملية السياسية إلى مساراتها الصحيحة.
ويخطئ من يظن أن الدور الإماراتي في اليمن يستهدف تحقيق مكاسب اقتصادية أو غير ذلك، وتكفي الإشارة إلى أن الامارات قد قدمت على مدار عامين، وتحديداً خلال الفترة من أبريل 2015 إلى مارس الجاري، مساعدات لليمن بلغت نحو 7.3 مليارات درهم (نحو ملياري دولار)، وذلك في إطار الدور الإنساني والتنموي الفاعل ومشاريع إعادة الـتأهيل والبناء التي تقوم بها دولة الإمارات لدعم الأشقاء اليمنيين وتخفيف معاناتهم اتساقاً مع نهج الامارات الإنساني والتنموي في العالم أجمع، كما قدمت أكثر من 60 شهيداً للواجب في اليمن، وهو رقم قد يكون محدوداً بالنسبة لدول ذات كثافة سكانية عالية، ولكنه يمثل تكلفة بشرية باهظة لدولة الامارات في سبيل مبادئها وقيمها.