يأتي استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للسيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في جمهورية العراق الشقيقة، ليؤكد جدية دول مجلس التعاون في استعادة العراق للحاضنة العربية، والتصدي للنفوذ الإيراني، الذي يسعى لالتهام العراق كاملاً بعد تحرير معظم الأراضي التي كان يستولي عليها تنظيم "داعش" الإرهابي.
زيارة الصدر لدولة الامارات، بعد فترة وجيزة من زيارته للمملكة العربية السعودية، تؤكد في المقابل أن هناك جهود تبذلها رموز وطنية عراقية لتخليص هذا البلد العربي العريق من الهيمنة الإيرانية. وهذه الجهود تمضي في الاتجاه الصائب استراتيجياً، والمرجو أن تحقق أهدافهاً، لاسيما أن سيناريو تقسيم العراق يمضي بخطى متسارعة، حيث رفض إقليم كردستان العراق طلبا أمريكياً بتأجيل استفتاء على انفصال الإقليم عن بغداد في 25 سبتمبر المقبل.
ورغم أن المطلب الأمريكي بشأن تأجيل الاستفتاء يتعلق مباشرة بتأثير هذه الخطوة على الحرب ضد تنظيم "داعش"، فإن الاستفتاء بحد ذاته يفتح الباب واسعاً أمام تفكك الكتلة الجغرافية العراقية، واحتمالية بروز مطالب أخرى بالانفصال ليتحول العراق إلى دويلات صغيرة، وربما يتكرر السيناريو في دول أخرى!
استفتاء كردستان ليس التحدي الوحيد الذي يواجه مستقبل العراق، بل هناك ما هو أخطر منه بمراحل، هناك الوجود العسكري الإيراني الذي ينخر في عظام الدولة العراقية ولا يريد لها الاستقرار او الخارج من دوامة الاضطراب وغياب الأمن، وهذا هو الداء الأساسي الذي يغذي النعرات الانفصالية والفوضى والعنف والإرهاب، فملالي إيران لا يريدون للعراق استعادة دولته وهيبتها الإقليمية ومكانتها الدولية، بل يريدونه منطقة نفوذ تابعة تتلقى تعليماتها من طهران، بعد أن ذهبت الأخيرة إلى مدى بعيد حين جاهرت باحتلال عاصمة الرشيد، وحين أوعزت لوكلائها في بغداد بتعيين جنرال الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مستشاراً للحكومة العراقية!!
لا يمكن لأي عراقي وطني غيور أن يقبل بإملاءات إيران، أو يوافق على أن تستنزف إيران خيرات العراق وموارده، وأن تغذي النعرات الطائفية وتعيد "هندسة" العراق ديموجرافياً لتعميق الصراعات المذهبية وغرس بذور التفكك والتقسيم في هذا الكيان العربي الكبير، الذي تشعر إيران بقلق استراتيجي من أن يعود قوياً كما كان، وتحاول استغلال وجود وكلائها في صدارة الساحة السياسية العراقية لتنفيذ الأجندة الإيرانية في رسم مستقبل العراق!
يدرك أي مراقب موضوعي أنه ليس لدولة الامارات أو المملكة العربية السعودية هدف او مصالح ذاتية مباشرة في العراق، فالدولتان تريدان أن يعود هذا البلد الكبير إلى موقعه ومكانته التي يستحق، إدراكاً منهما بان عودته تسهم في معالجة الخلل القائم في موازين القوى الإقليمية منذ عام 2003، جراء غياب العراق وخروجه من معادلة الأمن الإقليمي وترك فراغ استراتيجي هائل تحركت فيه إيران بأريحية كبيرة، واستغلت أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة، وتسللت إلى العراق ولم تكتف به بل تمادت إلى سوريا واليمن لبناء طوق سيطرة طائفي لتضييق الخناق استراتيجياً على دول مجلس التعاون.
في ضوء ما سبق، يمكن فهم بعض أبعاد وجوانب التشاور الخليجي مع الزعيم الشيعي العراقي مقتدي الصدر، فهو أحد الرموز الوطنية العراقية التي ترفض الخضوع للنفوذ الإيراني، وأي نفوذ خارجي بشكل عام، فالتحركات الخليجية الحالية تعالج بعض أخطاء الماضي، حيث كان ابتعاد العرب عن العراق أحد الأسباب التي أسهمت في التوغل الإيراني، إلى جانب أسباب أكثر محورية وجوهرية منها العب على الوتر الطائفي والمذهبي وإحداث درجة عالية من الاستقطاب بين مكونات الشعب العراقي.
المسألة إذا تتمحور في إعادة تعريف أسس العلاقات مع الشعب العراقي، أو إعادة تموضع العلاقات استراتيجياً لإعلاء البعد القومي العروبي، بدلاً من الرهان الإيراني الخبيث على الطائفية والمذهبية، وهذا التوجه يمكن أن يكون المدخل في التعاطي مع كثير من أزمات المنطقة، التي زجت بها إيران في أتون الطائفية.
دولة الامارات تتطلع إلى عراق آمن ومستقر يضطلع بدور أساسي في التفاعلات الإقليمية والدولية، ويقوم بدوره ومسؤولياته القومية على الساحة العربية، حيث يحتاج العرب إلى تضافر جهودهم كافة لإنقاذ ما تبقى من مصالح الشعوب العربية ومكتسباتها الوطنية، وهذا الأمر يمكن حدوثه لو استحضر الجميع مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقاء مقتدى الصدر "إن التجربة علمتنا أن ندعو دائماً إلى ما يجمعنا عرباً ومسلمين، وأن ننبذ دعاة الفرقة والانقسام" فالبحث عن المشتركات ونبذ الخلافات وتفادي عوامل الصراع يمكن أن يكون الأرضية التي نستأنف منها جميعاً، كعرب، مسيرة البحث عن البوصلة المفقودة، وصولاً إلى تحقيق ما نبتغيه وننشده جميعاً من أمن واستقرار إقليمي ودولي، واستئصال للإرهاب وتنظيماته، التي تعيث فساداً في منطقتنا طيلة السنوات الماضية.
إن اللحظة الراهنة تنطوي على فرصة تاريخية كي يعود العراق إلى شعبه، بعد الانتصار الكبير على الإرهاب وطرده من أراضي هذا البلد العربي العريق،لذا فإن من الضروري "استثمار هذه اللحظة للبناء الوطني الذي يجمع كل العراقيين" كما قال سموه خلال اللقاء، في تعبير عن رغبة أصيلة لدى الامارات في أن يكون يوم العراق وغده آمن مستقر.