أثناء متابعتي لتطورات الحرب ضد تنظيم "داعش"الإرهابي في العراق وسوريا، استوقفتني بعض العبارات التي وردت على لسان قادة عسكريين ميدانيين في المعارك الشرسة التي يخوضها التحالف الدولي ضد الإرهاب؛ من هذه العبارات التحذير الذي أطلقه ضابط أمريكي كبير من عودة تنظيم "داعش"وطرح نفسه بصورة جديدة، حيث قال الضابط أن كثير من مقاتلي التنظيم لا يزالون موجودون في العراق رغم الانتصار التاريخي في الموصل وغيرها.
التحذير الأمريكي جاء على خلفية دعوة الحكومة العراقية للتواصل مع السنة العراقيين لمنع تواصلهم مع تنظيمات الإرهاب مجددًا، أي الحيلولة دون توفير بيئة حاضنة جديدة لهذه التنظيمات.
ودعا الضابط الأمريكي إلى "التواصل والتصالح"مع العراقيين السنة، وجعلهم يشعرون بأن الحكومة العراقية تمثلهم، وهذا الأمر قد يبدو سهلًا للبعض، ولكنه يحتاج إلى عمل وطني مكثف من التيارات العراقية التي ترفض التدخلات الطائفية الإيرانية، وتسعى إلى استعادة الوفاق بين الشيعة والسنة في العراق، ولكن إحدى الإشكاليات التي تواجه هذه الجهود أن الحكومة العراقية نفسها بقيادة حيدر العبادي هي حكومة طائفية تتبنى وجهة النظر الإيرانية، وتتخذ من الجنرال قاسم سليماني قائد فيقل القدس في الحرس الثوري الإيراني مستشارًا عسكريًا لها، وهذا ما أكده رسميًا إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي، خلال شهر يونيو 2016!
المغزى في التحذير من ظهور نسخة جديدة من "داعش"أن الإرهاب قد هزم عسكريًا ولكن الأيديولوجية لا تزال باقية، ويمكن أن تفرز تنظيمًا أو تنظيمات جديدة إذا وجدت الظروف المناسبة، وهذا الأمر يتوقف على طبيعة الأوضاع في العراق خلال المديين القريب والمتوسط.
أما العبارة الثانية فوردت أيضًا على لسان بعض قادة قوات التحالف الدولي في الحرب ضد الإرهاب في العراق، حيث اعتبروا أن القتال في مدينة الموصل "كان الأشد من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية"، وهذا الأمر واضح من مدة العمليات العسكرية التي استغرقت نحو تسعة أشهر، وأوقعت دمارا"كبيرا"في الموصل، حيث تقدر الأمم المتحدة عدد البنايات التي دمرت بنحو 5000 بناية، بالإضافة إلى 490 بناية دمرت في المدينة القديمة وحدها.
المغزى أيضًا وراء قدرة تنظيم إرهابي على خوض قتال شرس يضارع معارك الحرب العالمية الثانية بحسب وصف القادة العسكريين الأمريكيين يجب وضعه في الاعتبار جيدًا لاعتبارات عدة أولها أن هذا الأمر يعكس وجود خبرات عسكرية كبيرة لدى عناصر التنظيم، وبالتالي فمن هرب منهم من المعارك يمثل مصدر خطورة بالغ، ولن يتوقف عن البحث عن فرصة لقتال جديد، حيث يمكن أن يمثل هؤلاء خطر على مستويين إما في حال عودتهم لبلدانهم الأصلية بما اكتسبوه من خبرات قتالية، أو مشاركتهم في بناء تنظيمات إرهابية جديدة في مناطق جغرافية أخرى داخل العراق وسوريا او خارجهما.
خطر العائدين من العراق وسوريا يشغل بال الأوساط الأمنية في دول عدة، وإذا أدركنا أن هؤلاء العائدين يمتلكون هذا المستوى من الخبرات القتالية، فعلينا أن نتعامل بمزيد من الاهتمام والدقة مع عودة فلول الإرهاب من العراق وسوريا.
الاعتبار الثاني يتمثل في تطور القدرات القتالية لتنظيمات الإرهاب جيلًا بعد آخر، فخبرات "القاعدة"التي كانت تنحصر في "حروب العصابات"والكر والفر في كهوف تورا بورا الأفغانية قد تطورات إلى تكتيكات قتالية قادرة على مجابهة جيوش كبرى تمتلك أحدث نظم التسلح البري، وربما كان سلاح الجو هو عامل الحسم في كثير من المواجهات القتالية مع العناصر الإرهابية، الأمر الذي يعكس تنامي خطر الإرهاب، ويدفع إلى دق جرس الإنذار بشأن خطر النسخ القادمة المحتملة من هذه التنظيمات، بحيث يصبح العمل على وأدها في المهد أو منع ظهورها من الأساس أقل تكلفة من السماح بظهورها وتمددها ثم محاربتها بعد ذلك.