محاربة الظلام بالنور ومحاربة الجهل ومواجهة التطرف الفكري بالجمال الفني، هذه العبارة التي وردت على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله، في كلمته التي ألقاها في افتتاح متحف «اللوفر أبوظبي» هي جوهر فلسفة المشروع الفني والابداعي الفريد الذي تواصل العمل فيه لمدة عشر سنوات.
اللوفر أبوظبي لم يكن فكرة عابرة ولا خطة طارئة رداً على حدث لاح في أفق المنطقة، بل يعكس رؤية استباقية واعية للقيادة الرشيدة، ويجسد مشروعاً ثقافياً تنويرياً عالمياً يتبناه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، لذا فإن هذا المشروع الثقافي على وجه التحديد هو أكبر دليل على أن الإمارات تمضي في مشروع ثقافي وحضاري ممتد، يعكس إيمانها بمبادئها وقيمها وقناعتها الراسخة بأن مسؤوليتها الإنسانية تحتم عليها ان تحمل مشاعل التنوير في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي.
يذكرنا مشروع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الثقافي والإبداعي بمشروعات حضارية خلدها التاريخ العربي والإسلامي، فهو من طراز القادة التاريخيين، الذين يؤسسون للأمم ويعملون لإحداث نهضة حقيقية في شعوبهم أولاً ومن ثم تقوم هذه النهضة بدور قاطرة حيوية للنهضة والتنمية في بيئتها الإقليمية والدولية، وتصبح مثل النموذج الاسترشادي الملهم للآخرين، وهذا ما تحتاجه تجارب التنمية وما يؤكده التاريخ في مختلف مراحله.
اللوفر أبوظبي يستهدف أيضاً صناعة الأمل واثبات قدرة منطقتنا وشعوبنا على تصدير القيم وأدى دورا حيويا وترجمة الجغرافيا إلى دور ثقافي يجمع البشر ويوحد ولا يفرق ويسهم في صناعة الحضارة بدلاً من تنظيمات أعداء الحضارة، الذين يسيطرون على فضاءات المنطقة في السنوات الأخيرة، فلا تكاد تسمع عن الشرق الأوسط سوى ما يتعلق بالإرهاب والعنف والقتل وسفك الدماء!
اللوفر أبوظبي هو النسخة الحديثة من قيم القائد المؤسس المغفور له، بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو ترجمة معاصرة لها، فكل قناعات القائد المؤسس بالمساواة بين البشر وضرورة الانفتاح والتلاقي الحضاري والتواصل بين بني الانسان قد وجدت طريقها إلى النور تحت «قبة النور»، التي جعلت من عاصمتنا الجميلة، أبوظبي، قبلة جديدة للباحثين عن الجمال والفنون والابداع والثقافة.
عندما تبني الأمم نهضتها وتؤسس لحضارتها فإنها تتخذ من الفنون والثقافة وسيلة لتخليد تراثها وقيمها الإنسانية، فالتراث الثقافي والحضاري هو لغة التواصل بين الأمم والشعوب من جهة، عبر الأزمنة والأجيال من جهة ثانية، هكذا فعل من قبلنا اليونانيون والفراعنة والاغريق وهكذا تعرفنا على الحضارة الصينية والهندية القديمة وحتى الحضارات الافريقية.
من هنا تبدو قيمة اللوفر أبوظبي كوعاء حضاري يخلد مسيرتنا الحضارية ورسالتنا الإنسانية، فضلاً عن كونه جسرا لا غنى عنه في الوقت الراهن للتواصل بين الحضاري والثقافات، وهذا التواصل الذي يتحقق في أبوظبي هو إضافة نوعية لجهود تبذلها الامارات على مدى العقود والسنوات الفائتة لنشر التسامح والسلام والتعددية والانفتاح وقبول الآخر ونبذ التطرف والغلو والكراهية والتحريض وغير ذلك.
إن مشروع الامارات الثقافي والحضاري، الذي يتنباه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لا يزال في بداياته ولا يقتصر فقط على الثقافة والفنون، وهما عماد هذا المشروع، بل يمتد ليشمل التنمية بمختلف جوانبها، من تطوير للتعليم واستثمار في الانسان والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاسهام جدياً في مسيرة التطور الحداثي التي يشهدها العالم، بل والتنافس على صدارتها وقيادتها وفق تخطيط دقيق ومتابعة دؤوبة لكل ما يبذل من جهود عبر خطط ورؤى استشرافية واعية مثل «رؤية الامارات 2021» ومئوية الامارات 2071، وهما محطتان رئيسيتان في تحليق الامارات باتجاه المستقبل، فلم تترك الأمور على عواهنها، بل هناك نقاط ارتكاز يتم فيها دراسة النتائج ومتابعة الخطط التنفيذية، فالتنافسية في القرن الحادي والعشرين تتسم بقدر هائل من الشراسة والصعوبة، وإدراك الآمال وسط الدول المتقدمة ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض، فالطموحات والأحلام الكبيرة تتطلب جهوداً أكبر وعملاً من دون كلل ليس فقط لرأب أي فجوات قائمة، بل وامتلاك زمام المبادرة وتحقيق التفوق والحفاظ عليه.
«اللوفر أبوظبي» إذن هو أحد نقاط الارتكاز في رحلة الامارات نحو المستقبل، وسيتلوه في الفترة المقبلة إن شاء الله إنجازات أخرى مكملة وداعمة للمشروع الثقافي الرائد في منطقتنا، والذي يمثل نقلة نوعية تسهم في انتشال هذه المنطقة من براثن الفكر الظلامي وإنقاذ مستقبل ملايين الشباب من الأجيال المقبلة في العالمين العربي والإسلامي.