بعيدًا عن التحليل والتنظير والبحث في دوافع ارتكاب الجريمة الإرهابية البشعة ضد المصلين في مسجد "الروضة" غربي مدينة العريش المصرية مؤخرًا، فإن ما حدث يعد تطورًا فارقًا يجب الانتباه له لأنه ينذر بأن مصر العروبة باتت مستهدفة أكثر من ذي قبل، وأن الإجرام الذي استهدف المساجد في العراق وسوريا من قبل يحاول تكرار السيناريو ذاته في مصر، ويسعى إلى ارتكاب جرائم جديدة تستهدف الزج بمصر في أتون فتن واضطرابات.
عدد الضحايا الكبير في هذه الجريمة يوحي بأن هناك "هدف كبير" يجب التصدي له بكل قوة ممكنة من جانب الدولة والجيش المصري الباسل، وهما قادران ـ بإذن الله ـ على ذلك، فمثل هذه النوعية من الجرائم ترتكب بدم بارد ولا يجب الرد على مرتكبيها سوى بالشراسة ذاتها التي يريدون أن تحملها رسائل الغدر والخسة التي يبعثون بها إلى الشعب المصري.
لا يمكن لمثل هذه الجرائم أن تنال من عزيمة المصريين، وكلي ثقة في ذلك، فهم شعب يمتلك موروثًا ضاربًا في عميق التاريخ وسبق أن تعرضوا لتحديات هائلة وتغلبوا عليها وخرجت مصر منتصرة ظافرة في مواجهة كل أعدائها عبر التاريخ الممتد إلى نحو سبعة آلاف عام.
هذه الجريمة الدنيئة لا يجب أن تمر مرور الكرام على العالم، فهي ليست كغيرها، ولا يفترض أن تنسى بالرد عليها عسكريًا أو ضمن أطر أخرى، ولكن من خطط لها ودبرها يدرك جيدًا ماذا يفعل، ومن يستهدف، فهو يريد لتنظيمات الإرهاب أن تواصل نشاطها الإجرامي في المنطقة، ويفتح لها ساحة فتن جديدة بعد هزيمتها المنكرة في العراق وسوريا.
ولذا لا يجب مطلقًا الاستهانة بجريمة مسجد "الروضة"، فالتجارب في العراق تحديدًا علمتنا أن هذه التنظيمات تبدأ تنفيذ مخططاتها الكبيرة بنشر الفوضى والفتن باستهداف المساجد والوقيعة بين مكونات الشعب الواحد ونشر الشكوك بما ينسف أحد مكونات الاستقرار وهي الوحدة والاصطفاف الوطني، ونثق أن الشعب المصري، في ظل قيادته الواعية، لن يكون فريسة لهذا الفخ، ولا الظروف المصرية الداخلية قابلة لاحتضان مثل هذه المؤامرات واستنساخها من تجارب أخرى، ولكن مدبري المؤامرات وخطط الإرهاب الدولي يتسمون دائمًا بأنها لا يفقدون الأمل في تنفيذ مخططاتهم، التي يسهرون عليها ليل نهار، ولا يكلون ولا يملون من طرق أبواب أخرى وإيجاد حيل جديدة للوصول إلى مبتغاهم.
استهداف مسجد "الروضة" هو استهداف لكل مسجد في العالم العربي والإسلامي، وهو إعلان وتأكيد فاضح بافتقار الإرهاب للدين وزيف شعاراته التي يرفعها باسم الدين، فلم تعد هناك حاجة حقيقية لتفكيك العلاقة بين الإرهاب والدين، فالحقيقة أننا جميعًا في مواجهة تنظيمات إجرامية محترفة تحصل على تمويل من دول بعينها وتحظى برعاية من أطراف تضمر الشر للمنطقة والعالم، حيث تلاقت إرادة دعاة صراع الحضارات جميعًا على أرضية مشتركة.
لم يعد من المعقول مطالبة العالم بمزيد من التكاتف في مواجهة الإرهاب، فقد كثرت المطالبات والدعوات والحديث عن ضرورة الكف عن الصمت في التعامل مع تمويل الإرهاب ورعايته، ولكن هناك مصالح للدول والأطراف المختلفة تغلب على مصالح العالم أجمع في هزيمة الإرهاب، وهناك من لا يزال غير مبالٍ بأن الإرهاب وحش يتضخم وسيلتهم الجميع من دون استثناء حتى لو أحاطوا أنفسهم بالأسوار والجدران والإجراءات المعقدة.
وإذا كان هناك إجماع عالمي على خطورة الإرهاب الذي يتصدر قائمة الأخطار التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، فكيف لا يتحرك العالم بدرجة تضاهي أولوية هذا الخطر؟ وكيف نسمع عن "صفقات" وتنازلات وتمويل وتسليح وتسهيلات يحصل عليها الإرهاب في هذه المنطقة أو تلك؟ وإلى متى يظل العالم ينظر للارهاب بمعايير مزدوجة ونظرات مصالحية!
بين الفينة والأخرى تفاجئنا جريمة إرهابية فتصدر تعبيرات عن الصدمة والإدانة في مناطق ودول شتى، ولكن الحاصل أن هناك مساحات للمناورة لا تزال تتحرك فيها وبداخلها الأطراف الراعية للإرهاب، منها غياب التعريف الموحد للإرهاب، الذي ينحصر في تيارات أيديولوجية محددة من دون الأخرى من دون شمولية كل أشكاله وأنواعه ومنطلقاته ودوافعه.
الخلاصة أن المعركة ضد الإرهاب ليست معركة أديان ولا طوائف ولا مذاهب، بل هي معركة الدولة الوطنية في القرن الحادي والعشرين، فإما أن ينتصر العالم للدولة كوحدة رئيسية مكونة للنظام العالمي والعلاقات الدولية، أو يسمح باستمرار أنشطة الحركات والتنظيمات والميلشيات من دون قيود وضوابط وبما يسمح بتقويض سيادة الدولة الوطنية ونسف دعائمها.