"ثمة شيء واحد لا يمكنك اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة بوجود نقص لديها فيه، وهو الرؤية المستقبلية"، هكذا لخصت شبكة "بي بي سي" في تقرير لها نشر في منتصف نوفمبر الماضي، جهود الإمارات الحثيثة لاستشراف وصناعة المستقبل.
كانت مناسبة هذا التقرير أن الامارات كشفت عن مبادرة لتشجيع بحوث متخصصة حول إمكانية زراعة نخيل التمر والخس فوق سطح المريخ بعد أن قالت في وقت سابق إنها ترغب في استكشاف الكوكب الأحمر وإطلاق مسبار بحثي لدراسته، حيث يتوقع أن يغادر مسبارها كوكب الأرض إلى المريخ عام 2020 من اليابان.
هذه الأهداف قد تبدو للبعض خيالية، ولكن من يقترب من خطط الامارات لمرحلة ما بعد النفط يدرك أن الأمر يتعلق باستراتيجيات وأهداف حقيقية يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
في الذكرى ألـ 46 لتأسيسها، تبدو دولة الامارات بالفعل على موعد مع المستقبل، فلم تقف الدولة عند ما حققته من إنجازات طيلة مسيرتها التنموية الزاخرة بالنجاحات، التي جعلت منها نموذجا تنموياً في توظيف الموارد الطبيعية لمصلحة البشر، بل بدأت في عام 2015 ما يمكن وصفه بالتأسيس الثاني للدولة، حيث أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في في كلمته أمام القمة الحكومية بدبي خلال شهر فبراير عام 2015، شرارة السباق نحو المستقبل حيث قال "إذا كان استثمارنا اليوم صحيح أراهن بأننا سنحتفل عند تصدير آخر برميل نفط بعد 50 سنة" معلناً البدء في التخطيط والعمل الجاد استعداداً لاقتصاد مابعد النفط.
في نهاية يناير عام 2016، عقدت الخلوة الوزارية الموسعة التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث نوقشت الأفكار والمبادرات التي من شأنها تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق توازن بين قطاعاته وبما يضمن استدامته للأجيال القادمة .
وركزت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال هذا الاجتماع على محاور عدة منها تطوير العقول البشرية باعتبارها "العملة العالمية لاقتصادات القرن الحادي والعشرين" والسبيل الوحيد لتحقيق تنمية مستدامة وضرورة الجاهزية والمبادرة وامتلاك الحلول المبتكرة والأفكار الخلاقة لمختلف التحديات بهدف تحقيق الريادة وتوثيق صورة تاريخية إيجابية للعالم عن منجزات الامارات.
ويمثل التخطيط لمرحلة ما بعد النفط استجابة منطقية للتطور العالمي الحاصل في الاقتصاد والثورة الصناعية الرابعة، فضلاً عن ضرورة تخفيف الضغوط على الموازنات العامة التي تأثرت بتراجع أسعار النفط عالمياً في السنوات الأخيرة، حيث هبطت أسعار النفط الخام من 120 دولاراً للبرميل في يوليو 2014 إلى مستويات تدور في فلك لا يلبي احتياجات التنمية وطموحاتها.
ولاشك أن دولة الامارات تمتلك فرصة تاريخية للانتقال المنظم إلى اقتصاد متنوع مبني على الابداع والابتكار والمعرفة، ما يؤهلها للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في معدلات النمو الاقتصادي والحفاظ على أعلى مستويات الرفاه والازدهار التي تعيشها حالياً، ومواكبة الاتجاهات والتطورات المستقبلية من النواحي الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والاجتماعية وغيرها، فضلاً عن تحقيق مفاهيم الاستدامة والابتكار في المجالات كافة.
ويساعد في تعزيز فرص نجاح هذا الطموح أن الامارات تنفق أكثر من 4% من إجمالي الناتج المحلي على التعليم وهي أعلى نسبة إنفاق على التعليم في الشرق الأوسط مما نتج عنه ارتفاع نسبة الانتظام في التعليم الثانوي وارتفاع معدل تعلم القراءة والكتابة بنسبة تزيد على 99%.
كما تتسم دولة الامارات بغلبة العنصر الشبابي على السكان، وصغر متوسط السن، وهو ما يعطيها أفضلية في تأهيل غالبية القوة العاملة المستقبلية بصورة تتأقلم مع التطورات التكنولوجية الراهنة، من دون ظهور إشكاليات في ضخامة التكلفة المادية للتعامل اجتماعياً مع أي آثار سلبية قد تظهر مستقبلاً.
وهناك ركائز عدة لصناعة المستقبل في دولة الامارات، أهمها الطاقة المتجددة التي تعد أحد رهانات الامارات بخطة كبرى تناهز قيمتها 82 مليار دولار، كما يعتبر المشروع النووي السلمي الإماراتي أحد أكبر المشروعات النووية في العالم، ويعكس جهود دولة الإمارات الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، حيث يوفر نحو 25 بالمائة من احتياجات الدولة للكهرباء بحلول العام 2020 . وقدتصدرت الإمارات المركز الأول على قائمة دول المستقبل لعام 2015 / 2016 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تحتل الإمارات المركز 41 في مؤشر المعرفة التابع للبنك الدولي من بين 145 دولة يتم المقارنة بينها في القدرة على تطوير صناعات حديثة منافسة تعتمد على الابتكار والمعرفة والتكنولوجيا.
وفي نوفمبر 2016، أعلنت الامارات عن خطة تنفيذية لتبني تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، ومن أبرز عناصرها إنشاء حكومة الإمارات أول مجلس للثورة الصناعية الرابعة على مستوى العالم، حيث ستكون دولة الإمارات أول مختبر عالمي مفتوح لتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وتسريع خلق أسواق عالمية لها ضمن الإطار الصحيح، وذلك بناءً على ما تم اتخاذه من خطوات فعلية من خلال التزام الحكومة بتطبيق مجموعة من الاستراتيجيات ذات البعد المستقبلي في مجالات مثل التنقل ذاتي القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.