لم تفاجئني الرسالة بالغة الدلالة التي وجهه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء مؤخراً لعلماء الامارات، حيث أدرك مدى اعتمادية الدولة على العلم والعلماء ورهانها عليهم في سباقها نحو المستقبل.
رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تضمنت أهداف محددة ودقيقة تبتغيها القيادة الرشيدة من علماء الامارات أولها القيام ببدور أساسي في دعم الجهود التنموية للدولة على الصعد كافة، وثانيها تقديم إضافة نوعية من خلال دورهم العلمي والعمل على تفعيل دبلوماسية العلوم وتعزيز التعاون الدولي ودعم التقارب والتسامح بين الشعوب، وثالثها دعم خطط ربط الاقتصاد الوطني بالتقدم العلمي والتقني وتوطينه، وتوظيف آخر ما توصل إليه العقل البشري في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا، وذلك من خلال دعم قطاعاتنا الجوهرية الواعدة كقطاع الطيران والشحن والدعم اللوجستي، ورابعها إيجاد حلول ومبادرات علمية تسهم في تأسيس شركات أو صناعات إماراتية وتساهم بطريقة مباشرة في جعل دولة الإمارات الأولى عالمياً في هذه القطاعات. وخامسها المشاركة في تحقيق المزيد من الأمن والاستدامة في الدولة، وذلك من خلال إيجاد حلول لبدء مبادرات بحثية وتطويرية علمية في مجال الأمن الغذائي والمائي وأمن المعلومات، إضافة إلى الطاقة البديلة التي ستساهم على المدى البعيد في تطوير مبادرات واستراتيجيات وتكنولوجيا إماراتية في هذه المجالات. وسادسها دعم جهود دولة الامارات في الارتقاء بجودة الحياة والإنتاجية، وجعل دولة الإمارات واحدة من أفضل دول العالم في مؤشرات الصحة العامة من خلال سياسات الرعاية الصحية المبنية على مبادرات ودراسات علمية وطنية تراعي ظروفنا وتبني على تجاربنا وتكون موجهة لشعب دولة الإمارات. وسابعها العمل على تعزيز موقع ومكانة الإمارات في المجتمع العلمي العالمي، ما يحتم التواصل والتشاور والعمل مع جميع الجهات المعنية بالدولة لتقديم أجندة واضحة تدعم تحقيق «مئوية الإمارات 2071»، وتساهم في تطوير إنتاج معرفي إماراتي يسعد شعبنا ويخدم الإنسانية ويدعم التقدم في دولتنا والعالم.
هذه الأهداف السبعة هي أهداف بالغة الأهمية لتقدم وتطور دولة الامارات، وهي وصفة تصب في خانة تحقيق التقارب المفترض بين الدوائر العلمية من جهة ودوائر صنع القرار من جهة ثانية، فهناك في معظم الدول فجوة تقليدية بين مختبرات البحث العلمي وما يعرف بـ "مطابخ" صناعة القرار، وتهتم الكثير من مراكز التفكير والبحث في الغرب بكيفية رأب هذه الفجوة وفتح قنوات حوار بين الساسة والعلماء.
استخدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أيضاً مصطلح جديد نسبياً في الأدبيات السياسية وهو دبلوماسية العلم والتكنولوجيا، وهناك توجه نشط يركز على ضرورة توظيف العلم في نشر السلام والتغلب على عوامل الصراع والخلاف من خلال التعاون العلمي.
وهناك مشروع دولي رائد يسمى "مشروع سيزامي" يعمل رعاية منظمة "اليونسكو" (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) دشن رسمياً عام 2002، ويهدف إلى نشر ثقافة السلام من خلال التعاون الدولي مجال العلوم والتكنولوجيا، ويستهدف بناء جسور تعاون بين العلماء في المناطق والدول التي تشهد صراعات من أجل خدمة الإنسانية، بالإضافة إلى هدف حيوي للمشروع وهو الحد من هجرة الأدمغة وتوطين التكنولوجيا في المجتمعات من خلال توفير منصات الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي وفرص التدريب المتطور في مختبرات الدول المختلفة. يقول أحد الخبراء الدوليين إنه لا يوجد عالم دبلوماسي بالمعنى المجرد، ولكن "هناك علماء يمارسون الدبلوماسية بطريقتهم الخاصة، فالعلم يخدم الدبلوماسية حين تخدم الدبلوماسية العلم"، وهذا هو نهج متحضر في المجال العلاقات الدولية، ونافذة جديدة مهمة لنشر ثقافة السلام من خلال التعاون في مجال البحث العلمي.
ركزت رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على منظور انساني شامل للاستفادة من العلوم الإنسانية، ما يؤكد البعد الإنساني الكوني لمسيرة الامارات التنموية، وسعي الدولة لفتح روافد جديدة لإسهاماتها المتعددة في مسيرة بناء الحضارة والتقريب بين الحضارات والثقافات من أجل الحد من أسباب الصراعات والأزمات والحروب.