شهدت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة، ولا تزال، جهوداً دؤوبة لبناء تحالف استراتيجي يعتمد على أسس راسخة، ليمتلك مقومات الاستمرار والتطور في مواجهة المتغيرات والتحديات التي تواجه الأمن الوطني للبلدين، والأمن الوطني الخليجي والعربي في المشهد الأعم.
التحالف الاستراتيجي بين الشقيقتين يمكن اعتباره تحالف الضرورة، الذي تمليه المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، وليس المقصود بالضرورة هنا أن الإلزام بل الاختيار، والمقصود بها أنه الخيار الاستراتيجي الأمثل لصانعي القرار في البلدين للتعاطي مع ظروف وتحديات المرحلة التاريخية الراهنة التي تمر بها منطقتنا.
عندما يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على أن أمن المملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من أمن دولة الامارات فهو يقصد ذلك تماماً، ويترجمه إلى مواقف وسياسات، ومنها تصريح سموه بأن الحل السياسي في اليمن لن يتحقق من خلال تمكين ميليشيا عسكرية تهدد أمن السعودية، في موقف واضح يضع النقاط على الحروف بشأن واحدة من الأزمات المستفحلة، ويعكس قناعة متجذرة بمبدأ الأمن المشترك للدولتين، والأمن القومي العربي في مجمله، فالتسليم بوجود أذرع طائفية موالية لقوى توسعية لها أطماع في دولنا هو استسلام للمخطط التآمري الذي تنفذه هذه القوى، وتسعى من خلاله إلى نشر الفوضى والاضطرابات كي يسهل لها التوسع والتمدد جغرافياً واستراتيجياً وخنق دول مجلس التعاون عبر تطويقها من الشمال والجنوب ثم الضغط عليها استراتيجياً في مراحل لاحقة.
هذا التصريح قد وضع قاعدة لا حياد عنها في البحث عن أي تسوية محتملة للأزمة اليمنية، فلا تهاون مع سلاح الحوثي ولا تسليم بنفوذه في اليمن، لأن أي صيغة نهائية للتسوية وفق ذلك ستكون بمنزلة استنساخ لسيناريو «حزب الله» اللبناني واستمرار للتأزيم عبر التلويح بالقوة العسكرية في مواجهة أي طرف آخر، واللجوء للقوة لانتزاع مكاسب سياسية، وهذا الأمر يعني التسليم بوجود دولة داخل الدولة، أو لنقل دولة فوق الدولة في حقيقة الأمر!
تلاحم المصالح المشتركة بين الامارات والسعودية قد وضع البلدين خلال السنوات الماضية في خندق واحد، وجعل التحالف الاستراتيجي بينهما بمنزلة الخيار الأمثل للدفاع عن مكتسبات شعبيهما وبلديهما، وهذا التحالف تمليه المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي تتطلب آليات عمل فاعلة قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة أي تطور طارئ في الظروف والأزمات التي تحيط بأمن البلدين، و قد تمت ترجمة هذه المتطلبات من خلال إصدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في بداية شهر ديسمبر الجاري، قراراً بتشكيل لجنة للتعاون بين الإمارات والسعودية، وسيكون من مهامها «التعاون والتنسيق بين دولة الإمارات والمملكة في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها من المجالات التي تقتضيها مصلحة البلدين»، وأن يكون «لديها جميع الصلاحيات اللازمة لتنفيذ أعمالها».
وهذا القرار هو تتويج لخطوات سابقة بدأت بتوقيع البلدين في مايو عام 2016 اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي مشترك، ثم عقد «خلوة العزم» لمناقشة ملفات التعاون الثنائي.
يستغرق بعض المراقبين كثيراً في البحث عن جوانب عسكرية وأمنية في هذا التحالف، رغم أن الاقتصاد والتنمية والرغبة في بناء نموذج تكاملي ناجح هو الأكثر حضوراً في هذا التحالف، الذي يبرز فيه «الملتقى الإماراتي - السعودي للأعمال»، باعتباره خطوة هادفة لتمتين أواصر العلاقات الثنائية والتعاون في القطاعات الحيوية المهمة للبلدين، وبخاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وبما يخدم رؤيتي البلدين («رؤية الإمارات 2021» و»رؤية المملكة 2030»).
الإحصاءات والأرقام والمؤشرات تغذي هذا التوجه التكاملي بين البلدين الشقيقين، فالسعودية هي رابع أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات على مستوى العالم، والشريك الأول عربياً في عام 2016، وشهد التبادل التجاري غير النفطي قفزة كبيرة تقدر بنحو 30 في المائة خلال السنوات الست الماضية، مرتفعاً من نحو 55 مليار درهم (14.9 مليار دولار) عام 2011 إلى أكثر من 71.5 مليار درهم (19.4 مليار دولار) العام الماضي، كما تصنف السعودية ثالث أكبر مستورد من الإمارات في مجال المنتجات غير النفطية، وثاني أكبر الدول المعاد التصدير إليها، وفي المرتبة الحادية عشرة من حيث الدول المصدرة للإمارات؛ وتأتي الإمارات في طليعة الدول المستثمرة في السعودية بقيمة إجمالية تزيد على 30 مليار درهم (9 مليارات دولار)، وثمة 32 شركة ومجموعة استثمارية بارزة في دولة الإمارات تنفذ مشاريع كبرى في السعودية، أما رصيد الاستثمارات السعودية في دولة الإمارات فبلغ نحو 16.5 مليار درهم (4.4 مليار دولار) بنهاية عام 2015؛ أي أن هناك نمو واعد للعلاقات التجارية والاقتصادية، وهناك تحديات مثل تذبذب أسعار النفط، تستلزم تعزيز التنسيق والتعاون لمواجهتها والتعامل معها من خلال بدائل جديدة ومبتكرة.
وهناك بالتأكيد قضايا أمنية وعسكرية على طاولة النقاش المشترك بين الحليفين، ولكنها ليست الملف الأوحد في التحالف، فكلها قضايا استراتيجية حيوية، لاسيما في ضوء تركيز البلدين على التنمية وبناء النموذج وصناعة الأمل في منطقة تعاني انتشار الظلامية والإرهاب في مناطق كثيرة من ربوعها، فهو تحالف المستقبل انطلاقاً من تحديات الحاضر.