أسئلة كثيرة تدور في أذهان المتابعين والباحثين والمراقبين لتطورات ملف الإرهاب في المنطقة والعالم حول مصير أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» بعد انهيار دولته المزعومة وهزيمتها ميلشياته وفرار الباقين منهم إلى مناطق متفرقة.
هناك تقارير تحدثت منذ فترة عن مقتل البغدادي في غارة جوية روسية خلال شهر مايو الماضي، حيث استهدفت هذه الغارة مركز قيادة تابع للتنظيم جنوب مدينة «الرقة» السورية، ويبدو أن هذه الغارة كانت مكثفة لدرجة أنها قتلت نحو 30 قيادياً في التنظيم ونحو 300 عنصر إرهابي من حراس هؤلاء القادة، وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف آنذاك لوكالة «رويترز» قائلاً: «أستطيع القول وبدرجة عالية من الثقة إن زعيم تنظيم (داعش) الإرهابي أبي بكر البغدادي لقي مصرعه».
ولكن ظهور تسجيل صوتي جديد لأبي بكر البغدادي خلال شهر سبتمبر وردت فيه وقائع محددة حدثت بعد تاريخ الغارة الروسية قد أثار مجدداً الشكوك حول مصير زعيم التنظيم الإرهابي. ولكن هذا التسجيل قد أكد بما لايدع مجالاً للشك أن قنوات الاتصال بين البغدادي وقادته قد انقطعت، وأنه بات مطارداً يبحث عن مجرد الظهور ورفع معنويات عناصر التنظيم.
مؤخراً، ذكرت صحيفة تركية معروفة أن زعيم «داعش» قد اعتقل وموجودة في قبضة القوات الأمريكية في العراق، وأن الولايات المتحدة تتكتم على خبر وقامت بنقل البغدادي إلى سوريا وأنه محتجز حالياً في قاعدة عسكرية أمريكية بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية.
وقد أضاف رفض المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية التعليق على تقرير الصحيفة التركية مزيداً من الغموض والتكهنات حول صحة ما ورد في هذا التقرير، وإن كان من الصعب التثبت من صحة التقرير في ظل المعطيات الراهنة.
ليس أمام المراقبين في هذه الحالة سوى اللجوء إلى التحليل والاستنتاج اعتماداً على خبرات الماضي في حالات مشابهة، وأقربها وأكثرها تشابها عملية قتل زعيم تنظيم «القاعدة» السابق والارهابي الأشهر أسامة بن لادن، والتي احيطت بالغاز كثيرة، فضلاً عن الشكوك التي أثارها صحفيون أمريكيون ومنهم الصحفي المعروف سيمور هيرش (حاصل على جائزة بوليتزر المرموقة للصحافة)، الذي نشر معلومات حصل عليها من مسؤول استخباراتي أمريكي متقاعد تشكك بقوة في الرواية الرسمية الأمريكية حول مقتل أسامة بن لادن، ما دفع واشنطن إلى إعلان صحة روايتها لمقتل ابن لادن. قال هيرش في مقال بعنوان «التاريخ البديل للحرب على الإرهاب» أن بن لادن كان محتجزاً لدى الاستخبارات الباكستانية منذ عام 2006 وأنه قتل عام 2011 بعد أن كشف أحد مسؤولي الاستخبارات الباكستانية مكانه للأمريكيين مقابل الحصول على مكافأة قدرها 25 مليون دولار، ناسفاً بذلك رواية الإدارة الأمريكية التي قالت فيها إن تحديد مكان اختباء بن لادن تم عن طريق اقتفاء أثر مبعوث خاص له، وأن زعيم تنظيم القاعدة قتل خلال تبادل لإطلاق النار مع القوات الأمريكية المهاجمة.
ليس مهماً في مثل هذه الروايات للقراء كيف قتل زعيم إرهابي، ولكن الأهم هو هل قتل أم لا؟ وفي حالة البغدادي يبدو من شبه المؤكد أن البغدادي قد اختفى للأبد سواء قتل في غارة روسية أو أمريكية، أو وقع أسيراً في قبضة القوات الأمريكية، ففي كل الحالات اختفى من صدارة عمليات الإرهاب وهذا بحد ذاته أمر إيجابي.
في مثل هذه الحالات يبدو اصطياد زعيم الإرهاب مثل اصطياد كنز معلوماتي استخباراتي ثمين، واعتقاله أكثر فائدة بمراحل من قتله، من أجل فك الكثير من «شيفرات» عمل تنظيمات الإرهاب.
في مثل هذه الحالات أيضاً لا يمكن تماماً الاعتماد على روايات تنشر هنا أو هناك لمجرد انها تخالف الرواية الرسمية، فأحياناً كثيرة يستهوي الإعلاميين فكرة العزف على وتر مخالفة الرسميين والتشكيك في رواياتهم وتصريحاتهم اعتماداً على تقبل الجمهور بشكل عام لأي رأي مغاير للرأي الرسمي، ولاسيما إذا تم ترديد هذا الرأي عبر قناة ذات صدقية عالية أو شخص موثوق.
ولاشك أن البغدادي تحديداً يمتلك الكثير من المعلومات، ولن يترك حراً طليقاً بأي حال من الأحوال، فهو يمثل لغزاً غير مفهوم منذ ظهوره في ساحة الإرهاب، فهو صيد ثمين منذ بدايات ظهوره التي تتضارب حولها الروايات، وتحديداً من بدايات نشاطه عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث لعب البغدادي دوراً في تأسيس جماعة «جيش أهل السنة والجماعة» ثم ألقت القوات الأمريكية القبض عليه في فبراير عام 2004، وظل في الاعتقال حتى ديسمبر من العام ذاته، ثم أفرج عنه لينضم لتنظيم القاعدة في العراق، تحت قيادة الزرقاوي. ثم تولى قيادة هذا التنظيم عقب مقتل الزرقاوي في أبريل 2010، وبقية الأحداث معروفة للجميع مروراً بانشقاقه عن تنظيم القاعدة، وصولاً إلى إعلان دولة الخلافة المزعومة في يونيو عام 2014.
كشف الألغاز حول مصير البغدادي رسمياً لن يستغرق وقتاً طويلاً على الأرجح، لاسيما أن الإعلان عن مقتله سيضاف للرصيد السياسي للدولة والقائد الذي سيعلن هذا على العالم، وبالتالي فإن كشف هذا اللغز قد لا يطول.