جاء البيان الختامي الصادر في نهاية زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دولة الامارات مؤخراً ليضع الأساس القوي للشراكة الاستراتيجية بين الامارات والهند في القرن الحادي والعشرين؛ حيث بدا واضحاً من تفاصيل البيان أن هذه الشراكة تعتمد على آلية دقيقة وفاعلة ولم تترك الأمور فيها للظروف والتطورات، بل يعتمد الجانبان على متابعة مستمرة لما تتوصل إليه اجتماعات قادة الطرفين من قرارات واتفاقات وتفاهمات في مختلف المجالات.
ناقشت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الهندي نتائج الجولة الثانية للحوار الاستراتيجي التي عقدت في أبوظبي خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث أعرب الجانبين عن ارتياحهما للمستوى الحالي للتجارة الثنائية الذي بلغ نحو 53 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2016 -2017، واتفقا على تعزيز هذه العلاقات، مع التركيز على تنويع التجارة غير النفطية.
أعرب الجانبان أيضاً عن ارتياحهما للتعاون الثنائي الجاري في مجالات الأمن والدفاع والفضاء وتعهدا بزيادته؛ تعزيزاً للأمن والسلام والازدهار الإقليميين، واتفقا على تعميق التعاون في مجال الأمن البحري، بما في ذلك مكافحة القرصنة والتدريب.
الشراكة الإماراتية ـ الهندية لا تقتصر على المجال الاقتصادي والتجاري بل تشمل شراكة القيم والمبادئ والاتفاق على تعزيز قيم التسامح والسلام في مواجهة الارهاب والأيديولوجيات المتطرفة ودعاة صراع الحضارات والأديان انطلاقاً من المشتركات بين البلدين وفي مقدمتها طبيعة المجتمعين الاماراتي والهندي التي تتسم بالتعددية الثقافية.
هذه الشراكة تنعكس أيضاً في الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، حيث زار رئيس الوزراء الهندي الامارات خلال شهر أغسطس عام 2015، وقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بزيارة إلى الهند خلال شهر فبراير 2016، ثم يناير 2017 كضيف شرف رئيسي في احتفالات يوم الجمهورية الـ 68 للهند، حيث نص البيان الختامي على أن "الزيارات رفيعة المستوى المتكررة بين البلدين قد يسرت التنفيذ السريع والمنتظم لشراكة استراتيجية شاملة موجهة نحو تحقيق نتائج مفيدة للطرفين".
توصلت المحادثات أيضاً إلى نتائج بالغة الأهمية حيث اتفق الجانبان على "مسؤولية جميع الدول عن السيطرة على أنشطة ما يسمى بـالجهات الفاعلة من غير الدول، وخفض جميع أشكال الدعم المقدم إلى الإرهابيين، وكذا خفض ارتكاب الأعمال الإرهابية من أراضيها ضد دول أخرى، كما اتفقا على ضرورة اتخاذ خطوات حازمة وموثوقة للقضاء على الملآذات الآمنة والملآذات التي توفر المأوى للإرهابيين وأنشطتهم". وهذه نقطة بالغة الأهمية في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
المشتركات القيمية بين البلدين كانت حاضرة بقوة خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي للامارات، حيث عبر البيان الختامي عن "شكر رئيس الوزراء الهندي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على تخصيص الأراضي وتسهيل بناء معبد، تنفيذاً للقرار الذي أصدرته حكومة الإمارات في أغسطس 2015 لتلبية طلب المجتمع الهندي في الدولة، وأشار إلى أن المعبد سيكون رمزاً مهماً لالتزام دولة الإمارات الراسخ بمبادئ التسامح، وبناء مجتمع تعددي، حيث تتمتع المجتمعات المحلية المختلفة بحرية ممارسة دينها ولغتها وثقافتها"، كما ستشارك الهند كضيف شرف في مهرجان أبوظبي للموسيقى والفنون الذي سيعقد في مارس 2018، ومشاركة الشارقة كضيف الشرف في معرض الكتاب الجديد في نيودلهي 2019، كما يتطلع القادة إلى تكثيف التبادلات بين العلماء والأكاديميين والوفود الثقافية. وفضلاً عما سبق، تقدم رئيس الوزراء الهندي بالتهنئة لقيادة دولة الإمارات بافتتاح متحف اللوفر أبوظبي، واتفقا على تعزيز التعاون بين المتحف الوطني في الهند ومتحف اللوفر أبوظبي، في تأكيد قوي على أهمية البعد الثقافي في علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
الامارات قوة صاعدة تسعى إلى التنافسية على صدارة العالم في مختلف المؤشرات التنموية، والهند بدورها قوة إقليمية من بني القوى الدولية المرشحة لتكون ضلعاً من أضراع وركائز التعددية القطبية في القرن الحادي والعشرين، والشراكة الاستراتيجية بين البلدين تصب في مصلحة البلدين والشعبين الصديقين، كما توفر للأمن والاستقرار الإقليمي ركائز نوعية قوية.