العلاقات القوية بين الدول سلسلة من التطور والبناء والتراكم القائم على المصالح الاستراتيجية المشتركة للدول والشعوب، وهذا هو حال العلاقات المتنامية بين دولة الامارات والصين، والزيارة التاريخية التي يقوم بها الرئيس الرئيس شي جين بينغ إلى الامارات هي تجسيد لواقع هذه العلاقات الاستراتيجية وترجمة لآفاق تطورها وتناميها في المستقبل المنظور.
هذه الزيارة التاريخية، هي بكل المعايير السياسية، تمثل منعطفاً نوعياً مهماً في مسار العلاقات بين الدولتين، فهي "تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التعاون المثمر والمستقبل الواعد»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهذا التعاون قائم على أسس واقعية، فهناك أكثر من 200 ألف صيني، ونحو 4000 شركة صينية تعمل على أرض الامارات، كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين الـ50 مليار دولار سنوياً، كما تعد دولة الإمارات الشريك الأكبر للصين في المنطقة العربية، حيث تستحوذ على نحو 23% من حجم التجارة العربية مع الصين. كما بلغ عدد السائحين الصينيين لدولة الامارات عام 2016 نحو 880 ألف شخص، وهذه النسبة في تزايد مستمر بفعل تطور العلاقات وتناميها، كما توجد في الامارات فروع لأكبر المصارف الصينية، وهناك مائة رحلة جوية تربط البلدين أسبوعياً، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات التجارية الثنائية بين الإمارات والصين نمواً، يصل إلى 80 مليار دولار في العامين المقبلين، وفقاً لمركز التجارة الخارجية الصيني.
الامارات هي الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة، وتمتلك خطط واعدة لتطوير التعاون المشترك في إطار استراتيجية "طريق الحرير" الصينية التي ستحول مجريات التعاون الاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين. وتنظر دولة الامارات إلى الصين باعتبارها حليفاً استراتيجياً مهمان وأحد مرتكزات تحقيق الأمن والاستقرار الدولي، وعلى الجانب الآخر فإن الصين تنظر للإمارات باعتبارها إحدى أهم الاقتصادات الصاعدة، ونموذج تنموي يحتذى به وعامل من عوامل الأمن والاستقرار في منطقة ذات أهمية قصوى بالنسبة للاستراتيجية الصينية للأمن والسلم الدوليين.
هناك أيضاً زيارات متبادلة رفيعة المستوى تعكس رغبة مشتركة في تطوير مستوى العلاقات بين البلدين، منذ زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى بكين في مايو 1990 على رأس وفد رسمي، حيث كانت الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين. فقد قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بزيارة مهمة إلى الصين عام 2008، كما قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارات مهمة للصين في الأعوام 2009 و2012 و2015، في إطار تحرك يعكس رؤية إماراتية استراتيجية استباقية لمكانة الصين ومكانتها في النظام العالمي وتوازنات القوى الدولية.
بالإضافة إلى كل ما سبق من عوامل ومرتكزات للعلاقات الثنائية، فإن العلاقات مع الصين تمثل ترجمة دقيقة لسياسة تنويع خيارات السياسة الخارجية الإماراتية، بما يضفي عليها قوة ومرونة ويوفر لها هامش تحرك واسع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية عبر فضاء تحرك واسع للدبلوماسية الإماراتية، شرقاً وغرباً، بما يتماشي مع فلسفة الدولة ونهجها في الانفتاح على دول العالم كافة، والسعي لبناء المشتركات وتقوية العلاقات بما يحقق مصالح الشعوب ويضفي على العلاقات الدولية مزيداً من القوة والفاعلية.
لاشك أن زيارة رئيس دولة بحجم ومكانة الصين، ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وبكل تطلعات القيادتين والبلدين والشعبين إلى المستقبل، إنما تعد حدث تاريخي وتطور نوعي فارق في مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.