يعتبر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، فى مقدمة الداعين إلى تمكين الشباب وإشراكهم، سواء فى جهود مكافحة التطرف والإرهاب، أو فى تعزيز الحوار بين الحضارات، وله فى ذلك مواقف وآراء وكلمات وتصريحات كثيرة.
تابعت مؤخراً تصريحات أدلى بها فضيلته خلال لقاء له مع السفير البريطانى فى القاهرة جون كاسن، قال فيها إن الشباب، بما يمتلك من طاقات فاعلة وقدرات على استخدام وسائل التواصل الحديثة، لديه القدرة على كسر الحواجز وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى أساءت للعلاقات بين الأديان وأثرت على السلام العالمى.
هذه الجزئية فى غاية الأهمية، فالكثير من خططنا واستراتيجياتنا للتفاعل مع الآخر قائمة على أدوات تقليدية وفاعلين تقليديين، ويغيب عنها فى معظم الأحيان الشباب، بكل ما يمتلك من مهارات تفاعلية قادرة على مسايرة العصر والتحدث بأدواته، وهذه مسألة حيوية لأن افتقادها يعنى ضعف التواصل وعدم فاعليته لأنه يمر عبر قنوات محدودة التأثير، أو ربما هى غير مؤثرة بالمرة، ناهيك عن أن الخطاب الموجه للآخر يمكن أن يذهب إلى مستهدفين آخرين من الجمهور!.
الإشكالية فى حوار الحضارات والتفاعل مع الآخر تكمن فى ضرورة بناء مشتركات بين الشباب هنا وهناك، باعتبارهم يمثلون المستقبل، ولهذا الحوار متطلباته وأدواته، ومهما عظمت "الرسالة" التى يقدمها "مرسلون" تقليديون فلن تحقق الأثر ولا الهدف المطلوب لأن "الجمهور المستهدف" لن يستقبلها بالشكل المرجو، حتى وإن نجحت فى الوصول إليه.
الحوار مع الآخر يتطلب جهداً وعلماً وقدرة على التواصل والتفاهم، ولكنه أيضاً يتطلب امتلاك مهارات التواصل وبناء المشتركات والحديث بلغة يفهمها الآخر، فاللغة هى الوعاء الناقل للثقافة والرأى، وهى مفتاح التواصل، ولهذا يبدو تأثير الشباب ودوره فى موضوع الحوار مع الآخر بالغ الأهمية.
لا أحد ينكر أن تنظيم "داعش" الإرهابى نجح فى الانتشار الإعلامى ونجحت استراتيجياته وتكتيكاته الإعلامية فى تحقيق أهداف هذا التنظيم الإرهابى، ورغم رفضنا واستنكارنا لكل هذه الأفكار التى تسيئ للدين الإسلامى الحنيف، فإن الحقيقة تشير إلى أن الشباب كانوا "كلمة السر" فى تحقيق هذا الانتشار الدعائى للتنظيم بفعل أفكارهم ومهاراتهم فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام الجديد وتطبيقات الاتصال الذكية، والتى نجحوا من خلالها فى تحقيق الانتشار الدعائى للتنظيم.
فى المقابل كانت خطط مكافحة الفكر الإرهابى والتطرف تقتصر فى معظمها على الإعلام التقليدى وتتمسك بأدوات ووسائل وخطط واستراتيجيات تصلح لجمهور مغاير وزمان مختلف، لذا فإن الكثير من الجهود التى بذلت، سواء فى مكافحة التطرف أو على صعيد الحوار مع الآخر وتصحيح الصورة النمطية السلبية لديه، قد باءت بالفشل، وهذه حقيقة لا يجب التهرب منها أو التخفيف من حدتها، لأن المسألة تتعلق بمستقبل وأمن واستقرار دول وشعوب العالمين العربى والإسلامى، والأمر واضح وضوح الشمس كما يقولون!.
تمكين الشباب والاستعانة بهم، كما يطالب ويدعو فضيلة شيخ الأزهر، يحتاج إلى قناعة بأهمية دورهم وتأثيره فى تحقيق الأهداف المطلوبة، وأنا أثق أن فضيلته يتبنى هذه القضية تماماً، حيث نظم الأزهر الشريف العديد من المنتديات والفعاليات القائمة على مؤسسة دور الشباب ودعم هذا الدور، كما أقام الأزهر العديد من المراكز القائمة على مهارات التواصل الحديثة، مثل مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى ومركز الترجمة وغير ذلك.
ولدينا فى دولة الإمارات نهج قائم على تمكين الشباب، حيث تؤمن القيادة الرشيدة بأن الشباب هم الثروة الحقيقية التى تمتلكها الإمارات، لذا فإن هناك رهانا كبيرا على فاعلية استراتيجيات التمكين، التى منحت شباب الإمارات أدوارا حيوية مهمة فى مجالات العمل كافة، وهذا الأمر يمثل نموذجاً يحتذى به فى عالمنا العربى الذى يمثل الشباب غالبية سكانه، ومن ثم فإنه بوصلة الاهتمام يجب أن توجه إليهم، سواء فى التنمية وبناء الأوطان، أو على صعيد مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، والحوار مع الآخر ودعم الصورة النمطية للإسلام والمسلمين وتقديم الصورة الصحيحة عن الشباب المسلم الذى يعكس القيم والمبادئ الصحيحة للدين الإسلامى الحنيف.