فشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها لا يمثل مفاجأة لأي متابع أو مدرك لفكر وتوجهات جماعة الحوثي اليمنية، بل إن المفاجأة ربما تبرز في حال انفتاح الحوثي وجماعته على أي مفاوضات تستهدف التوصل إلى تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق.
لا يمكن النظر إلى طريقة تعامل الحوثي مع جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيت سوى باعتبارها تجسيد للعبثية التي تتعامل بها هذه الجماعة الطائفية مع مستقبل ومصير ملايين اليمنيين؛ فقد استمر المبعوث الأممي في جهوده طيلة الأشهر الماضية، التي قام فيها بجولات مكوكية عدة، اعتقاداً منه بأنه يتعاطى مع عناصر "مسؤولة".
وربما جاء تخلف وفد الحوثي عن المشاركة في مفاوضات جنيف بحسب ما تم الاتفاق عليه، ليتأكد للمبعوث الدولي تماماً أنه يتعاطى مع وكلاء لأطراف خارجية، وليس لهم من سلطة في اتخاذ القرار، حتى على مستوى الذهاب للمشاركة في المفاوضات كما اتفقوا!
شيء مخز أن يكون مصير ملايين اليمنيين ومستقبلهم مرهون بمثل هذه السياسات العبثية، وشيء مخز أن يكون أمثال هؤلاء العملاء هم من يتحكمون بمستقبل بلد عريق بوزن وثقل ومكانة اليمن، هذا البلد الذي لا يعرف هؤلاء قدره، ولا يظهرون ما يمكن أن يناسب مكانته التاريخية وحجم تأثيره الاستراتيجي المفترض اقليمياً ودولياً.
لا يتصور أكثر المتفائلين بالحل في اليمن أن يذهب وفد الحوثي للتباحث حول حلول وبدائل عقلانية لإنقاذ ما تبقى في اليمن، لسبب بسيط ومباشر هو أن هناك مشروع طائفي تعمل جماعة "أنصار الله" على تنفيذه، ويقومون بدور "مقاول التنفيذ" فيه لمصلحة إيران وبقية وكلائها الإقليميين.
فكيف للمنفذّ أن يملي إرادته على صاحب المشروع؟ التفاوض ـ إن تم ـ كان سيضع الحوثيين في موقف حرج لأن طاولة المفاوضات كانت ستشهد بدائل ومقترحات للخروج من الأزمة، والجماعة ليست بصدد الخروج ولا تعنيها مسألة التسوية من قريب أو بعيد، وليست على استعداد للعودة إلى حجمها الطبيعي ضمن المكونات الديموغرافية والسياسية على الخارطة اليمنية، بعد أن اغوتها فكرة اختطاف الدولة وارتهانها لمصلحة الجماعة، كما اسالت لعاب قادتها التدفقات المالية الكبيرة التي تتدفق على خزائن قادتها من عائدات التهريب والاتاوات التي يفرضونها في مناطق سيطرتهم وغير ذلك.
ستبقى الإشكالية قائمة وتتواصل فصول الأزمة في اليمن، ولكن من المعيب أن يظل صمت المجتمع الدولي حيال اختطاف دولة عضو في الأمم المتحدة لمصلحة جماعة طائفية تعمل لحساب دولة أخرى!
تهرب الحوثي من مفاوضات جنيف هو برهان جديد على سلوك إيران وممارساتها المدمرة في منطقة الشرق الأوسط، فكل مراقب موضوعي يدرك ببساطة أن الحوثي ينفذ تعليمات طهران، التي لا تريد أي حراك إيجابي في أي من الأزمات التي تمتلك أوراق ضغط فيها على أمل أن يتم استغلال جميع هذه الأزمات لاحقاً في عقد "صفقة" مع الولايات المتحدة والغرب يتم بموجبها التوصل إلى تسويات أو منح ضوء أخضر للوكلاء للتوصل إليها مقابل خروج النظام الإيراني من عزلته الدولية.
اليمن إذا رهين عزلة النظام الإيراني، ولكن إلى متى؟ على المجتمع الدولي والأطراف المعنية أن الضغط على الحوثي وإجباره على التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة يمثل سحباً لأحد أوراق الضغط الإيرانية، والحال كذلك في سوريا، فسحب هذه الأوراق من يد إيران يمثل أهدافاً مهمة من أجل ترويض هذا النظام البائس الذي يرتهن أمن واستقرار المنطقة بأكملها لمخططاته، ولا يجب انتظار استجابة الملالي لدواعي الأمن ومصالح الشعوب، فهو نظام لا يبالي بشعبه ويغامر بمستقبله، فكيف لأحد أن ينتظر منه رفقاً بملايين اليمنيين أو السوريين أو غيرهم؟!