من الأمور التي حبانا الله بها في دولة الامارات أن وهبنا قيادة تاريخية قادرة على صناعة التاريخ، كما وهبنا أيضاً دولة تحمل على عاتقها صناعة الأمل والمستقبل، ويمثل اليوم الوطني مناسبة سنوية متجددة للاحتفال بتأسيس اتحادنا المبارك، اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة، وهو احتفال يكتسب في هذا العام قيمة استثنائية لأنه يتزامن مع "عام زايد" الأب الروحي لشعبنا، وقائد مسيرتنا، والمعلم الملهم لكل ما تحقق من نجاحات وإنجازات على هذه الأرض.
الحديث عن ذكر تأسيس دولة الامارات في الثاني من ديسمبر عام 1971 هو حديث عن القيادة الاستثنائية، التي صنعت هذا الإنجاز الوحدوي، الذي يمثل نموذجاً في بناء الدول، وتوظيف الموارد الطبيعية والمادية لمصلحة رفاه الشعوب وإسعادها.
من المفارقات التي تواجه أي باحث في العلوم السياسية أن البحث في عبقرية القيادة لدى القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لم يزل بعيداً عن تناول مجمل سمات وصفات القائد بالبحث والتحليل، فرغم عشرات الإصدارات والكتب التي وثقة سيرة ومسيرة القائد المؤسس، فإنني عندما ابحث في الدوريات واستمع إلى روايات الآباء الذين عاصروا بعض هذه الحقبة الزمنية الفريدة، أجد أن الطريق لا يزال طويلاً للحديث عن وفاء هذا القائد التاريخي الملهم حقه على المستويين الإنساني والسياسي.
وقد قرأت مؤخراً بعض الكتب لمؤلفين أجانب عاصروا تلك الفترة من بدايات التأسيس، فوجدت أنها تشير إلى جوانب في غاية الأهمية في شخصية القائد المؤسس، أولها دراسته ـ على فطرته وبساطته ـ الدروس المستفادة من معزم التجارب الوحدوية التي عاصرها، أو تلك التي شهدتها المنطقة والعالم في مراحل تاريخية تسبق قيام اتحاد الامارات، واستخلص من هذه التجارب الدروس المستفادة، وحرص على مناقشة سلبيات كل تجربة وتفاديها. ثاني هذه الجوانب التي لفتت انتباهي يتمثل في الطاقة التفاوضية الهائلة التي امتلكها القائد المؤسس، ومكّنته، من بناء توافقات وتفاهمات مرحلة من أصعب مراحل ما قبل البناء، والتوصل إلى هذه الصيغة التأسيسية المحكّمة بين الآباء المؤسسين، ما يعكس مدى عمق وكفاءة مهارات القيادة التي امتلكها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي المهارة الاستثنائية التي امتزجت بالإرادة الوحدوية، فأنتجت بناء نموذجي لدولة امتلكت منذ تأسيسها، ليس فقط مقومات البقاء، بل مقومات التطور والتنافسية والوصول إلى أعلى مراتب التنافسية العالمية في مختلف مؤشرات التنمية البشرية.
وندرك جميعاً أن الأساس القوي لاتحاد الامارات قد أسهم في امتلاك الدولة ركائز أساسية عدة أسهمت في هذا التطور، فالقاعدة الأساسية للبناء انطلقت من فكرة الاستثمار في البشر، باعتبارهم أغلى الثروات التي تمتلكها الامارات، وهذه القناعة الراسخة لدى القائد المؤسس، تواصلت في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ فلا يزال الانسان هو الأولوية التي لا تنازعها أي أولويات، وهو الهدف والمقصد لكل الخطط والرؤى الاستراتيجية. ومن هذه القاعدة نشأ جناحا التنمية، القوة الصلبة والناعمة، فالإمارات باتت قوة عسكرية لها ثقل استراتيجي يعتد على الصعيد الإقليمي، وبالدرجة ذاتها باتت قوة اقتصادية ثقافية حضارية بوجود منظومة متكاملة من القيم التي رسخها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وجعلت من الامارات في مرحلة التمكين عاصمة عالمية للمساعدات الإنسانية، كما جعلت منها عاصمة للحوار العالمي، ونموذجاً يحتذى به في التسامح والتعايش والانفتاح والاعتدال.
القائد المؤسس الذي قال "إن الاتحاد يعيش في نفسي وفي قلبي وأعز ما في وجودي، ولا يمكن أن أتصور في يوم من الأيام أن أسمح بالتفريط فيه أو التهاون نحو مستقبله" لم يصنع الاتحاد ككيان سياسي وحدوي نموذجي فقط، بل غرس فيه كل القيم والثوابت التي تؤسس لحضارة تضمن البقاء لدولة كانت حلماً في عقل القائد المؤسس، فصاغها على يديه، وبمشاركة إخوانه المؤسسين، وجعل منها أيقونة الأمم والدول.