بعد استهداف ميلشيا الحوثي محطتي ضخ أنابيب النفط بالمملكة العربية السعودية باستخدام طائرات إيرانية مفخخة من دون طيار، لم يعد هناك أدنى شك في خطورة دور الوكيل الإرهابي الذي تقوم به هذه الميلشيا لمصلحة نظام الملالي، كما يتضح أيضاً بعد نظر دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في التصدي لخطر هذه الميلشيا منذ عام 2015.
ما يحدث الآن من حولنا يثبت للمتشككين أن قرار «عاصفة الحزم» كان بمنزلة قراءة استشرافية واعية قائمة على رؤية استراتيجية عميقة للتداعيات التي كان يمكن أن تفرزها سيطرة ميلشيا الحوثي على الدولة اليمنية؛ ولنا أن نتخيل -ولو للحظة واحدة- أن التوتر القائم بسبب ممارسات إيران وسلوكياتها العسكرية المتهورة كان يمكن أن تكون له عواقب مختلفة تماماً على أمن دول التحالف العربي في حال كان الحوثيون يمسكون بزمام السلطة والقيادة في الدولة اليمنية كما كان مخططاً!
هذا السيناريو التخيلي هو ما كان يخطط له نظام الملالي، حيث كان يريد أن يحكم طوق الحصار على دول مجلس التعاون شمالاً من سوريا والعراق عبر ميلشيا الحشد الشعبي، وجنوباً من اليمن عبر ميلشيا الحوثي، ليملي على الجميع إرادته ويخضع المنطقة بأكملها للهيمنة الفارسية الإيرانية!
يدرك العقلاء الآن أن قرار «عاصفة الحزم» كان قراراً استباقياً أنقذ دول مجلس التعاون من مخطط إيراني مدمر، فنظام الملالي يثبت أن استهداف مقدرات ومكتسبات دول الجوار هي هدفه الأساسي، وأنه لا يجرؤ على المساس بأي طرف إقليمي أو دولي آخر، لا لشيء سوى لأن هذا النظام الثيوقراطي البائد يكن الحقد الأعمى للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، اللتين تذكران أقطاب هذا النظام بفشلهما في إدارة موارد الدولة الإيرانية وهدرها في مشروعات ومخططات بائسة تحت شعارات وهمية يداعب بها عواطف المخدوعين من الأتباع والموالين في داخل إيران وخارجها.
ولاشك أن إعلان دولة الإمارات مساندتها التامة وتضامنها الكامل مع المملكة العربية السعودية الشقيقة ودعمها فيما تتخذه من إجراءات لمواجهة التطرف والإرهاب والحفاظ على أمنها واستقرارها، إنما يعد الخيار الاستراتيجي الأمثل للإمارات، التي تؤمن يقيناً بأن أمن دول مجلس التعاون بل والأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن تبني مواقف ضبابية أو محاولة الإمساك بالعصا من المنتصف في مثل هذه الظروف هو أسوأ الخيارات المتاحة، بل هو موقف محكوم عليه بالفشل المسبق، علماً بأن البيان الإماراتي في التعليق على هذا الاعتداء الحوثي ليس مفاجئاً ولا يحيد قيد أنملة عن المتوقع في ظل مسار التحالف الاستراتيجي المتنامي بين الدولتين الشقيقتين، الإمارات والسعودية في السنوات الأخيرة، فهما شريكان في إنقاذ اليمن من تغول الميلشيات الانقلابية، بكل ما يعنيه ذلك من التزامات ومسؤوليات أثبتت قيادتي البلدين قدرتهما على إدارة كل ما يتعلق بهذا الملف بأبعاده المختلفة طيلة السنوات الأربع الماضية، بل وتصديًّا لكل محاولات إثارة الفتن والوقيعة لدرجة أصابت الحاقدين والمتآمرين باليأس والإحباط فكفوا، أو تراجعت كثيراً محاولاتهم في هذا الاتجاه، لاسيما أن هذا الموقف الإماراتي قد جاء عقب موقف سعودي حازم تعليقاً على العمل الإجرامي الذي استهدف سفناً تجارية بالقرب من المياه الإقليمية للإمارات، حيث أكدت المملكة الشقيقة تضامنها ووقوفها إلى جانب الإمارات في جميع ما تتخذه من إجراءات لحفظ أمنها ومصالحها، ما يعكس إيماناً مشتركاً بوحدة الصف والمواقف في مواجهة هذا الاختبار المصيري لإرادة شعوبنا ودولنا.
البيان الرسمي الصادر عن الإمارات تعليقاً على استهداف الإرهاب الحوثي لمنشآت نفطية سعودية قال إن «أمن دولة الإمارات وأمن السعودية كل لا يتجزأ، وأن أي تهديد أو خطر يواجه إحداهما، يعتبر تهديداً لمنظومة الأمن والاستقرار في البلد الآخر»، وهذا الموقف ليس سوى ترجمة لما سبق أن قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين أكد أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تقفان في خندق واحد، حيث كان يقصد سموه، بكل خبراته وخلفياته وحكمته المعروفة، ما قاله تماماً، فهو يدرك حجم التحديات وطبيعة المتغيرات المؤثرة في الأمن الوطني للدولتين والشعبين الشقيقين، وأن الخيار الحتمي في مواجهة مصادر التهديد هو التمسك بقناعات راسخة في الوعي الجمعي لدينا بوحدة الهدف والمصير، وهكذا تظهر الأزمات معادن الرجال وحكمة القادة.