إحدى أهم الرسائل والاستنتاجات التي خرجت من القمم الخليجية والعربية والإسلامية التي انعقدت في مكة المكرمة في توقيت متقارب، هي التأكيد على خطورة السلوكيات والممارسات والسياسات الإيرانية، وما تسببه من فوضى ودمار واضطرابات في منطقة المنطقتين الخليجية والعربية، فضلا عن تهديد الأمن والاستقرار الدوليين بسبب استهداف الملاحة البحرية وتهديد أمن الممرات الملاحية الدولية.
الهدف الأساسي من هذه القمم، باعتقادي، قد تحقق بامتياز لأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما دعا إلى عقد هذه القمم لم يكن يقصد أو يسعى إلى استصدار قرار أو حتى إبداء نية الحرب مع إيران، بل إرسال رسالة قوية واضحة من الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية بضرورة أن يعود النظام الإيراني إلى رشده، وأن يدرك أن هناك مساندة ودعما خليجيا وعربيا وإسلاميا قويا للموقف السعودي في الصراع مع نظام الملالي الإيراني، وقد تحقق هذا الهدف بشكل كامل.
حشد الصفوف والدعم في مواجهة ممارسات النظام الإيراني مسألة سياسية في غاية الأهمية، حيث أدرك الجميع الآن ـ من خلال الجهود السعودية المكثفة على هامش القمم الثلاث مثل معرض «حقائق في دقائق» وغيرها ـ مدى تورط النظام الإيراني فيما يحدث في منطقتنا، حيث عرضت المملكة العربية السعودية أمام القادة الخليجيين والعرب وزعماء منظمة التعاون الإسلامي الذين حضروا للمشاركة في القمم، نماذج من الصواريخ والطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيون في استهداف المملكة الشقيقة، وبالتالي فإن الرسالة الخاصة بوقوف الدول الخليجية والعربية والإسلامية إلى جانب السعودية في مواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرار وسلامة أراضيها يمثل معطى استراتيجيا مهما يعزز هامش المناورة أمام القيادة السعودية في التعاطي مع التهديدات الإيرانية.
القمم الثلاث في مكة المكرمة لم تكن تستهدف التصعيد، بل تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار من خلال وضع النقاط على الحروف بشأن رفض سلوكيات إيران وممارساتها، والتأكيد على ضرورة توفر متطلبات الأمن والاستقرار الإقليمي، وضرورة التزام جميع الأطراف باحترام مبادئ الأمم المتحدة وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ووقف كل أشكال التوسع ونشر الفوضى والأذرع الطائفية والمذهبية التي باتت تمثل سببا رئيسا للاضطرابات التي تشهدها العديد من الدول العربية.
قناعتي أن الاستراتيجية السعودية بشأن انتهاج دبلوماسية القمم لتوضيح الحقائق وبناء موقف خليجي وعربي وإسلامي مشترك قد حققت أهدافها الحيوية، ولعبت دورا كبيرا فضح وكشف السلوك الإيراني المثير للفوضى، كما عكست عمق العزلة التي تعانيها إيران في محيط إسلامي تزعم لعب دور فاعل فيه، كما كرست القمم الثلاث مركزية القيادة السعودية في محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، فالدعم الهائل الذي حصلت عليه القيادة السعودية يوفر لها مخزونا سياسيا كبيرا يعزز قدرتها على اتخاذ ما تراه مناسبا للدفاع عن سيادة المملكة وصون حق شعبها في الأمن والاستقرار، كما وفرت القمم الثلاث الشرعية السياسية المناسبة لكل ما يمكن أن تتبناه القيادة السعودية الحكيمة من قرارات للدفاع عن أمن البلاد، بعد تنامي الخطر المترتب على التعاون الحوثي ـ الإيراني، والتآمر الواضح ضد المملكة.
إن عزل النظام الإيراني وفضح ممارساته التي تمثلت في دعم قادة الميليشيات والأحزاب الانقلابية والإرهابية، سيكونان قيدا يمنع النظام الإيراني من التصرف دوليا، كما يفضح النظام داخليا في عيون الشارع الإيراني الذي اكتشف أن سياسات دولته لا يؤيدها سوى قادة الميليشيات!
السياسات السعودية الهادئة في التعامل مع التهور الإيراني تضع قادة الملالي في زاوية حرجة، حيث كانوا يتوقعون تهورا مقابلا في الرد على استفزازاتهم وتحرشاتهم العسكرية، فلما وجدوا سلوك قيادة عقلانية تدرك عواقب الأمور وتداعياتها وتضع مصالح شعوب المنطقة ومقدراتها في صدارة الأولويات، حاولوا صرف الأنظار عن نتائج القمم الثلاث، فلما فشلوا انتقلوا إلى التهجم ومواصلة الاستفزازات والتصريحات العدائية مجددا.
إدارة الدول ليست كإدارة الميليشيات والتنظيمات والأنظمة الفاشلة المعزولة سياسيا، فالدول تدار وفق قواعد السياسة والعلاقات الدولية وتمضي تحركاتها وفق حسابات دقيقة تأخذ بالاعتبار كل المتغيرات المؤثرة إقليميا ودوليا، فصناعة القضية وحسن طرحها والدفاع عنها وتوضيح حقائقها أنجح وأكثر استدامة وتأثيرا من انتهاج تصرفات هوجاء وردود انفعالية قد تكون سلبياتها أكثر من ايجابياتها.