لم تتوقف كثير من الأقلام ومحللي الخيال العلمي خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية عن إطلاق التكهنات حول تآكل ـ والبعض وصفه بانهيار ـ التحالف الاستراتيجي القائم بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية الشقيقة.
ومن خلال متابعتي، يمكنني تقسيم أصحاب هذه الأفكار إلى قسمين، أولهما فريق متكهنين يعتمد على القراءة القشرية أو الظاهرية للوقائع والأحداث، دون إلمام كاف بطبيعة التحالف بين الدولتين الشقيقتين، ولا العوامل الحاكمة له وأسسه ومرتكزاته القوية المتينة،
وتعتمد هذه الأقلام في تحليلاتها وتكهناتها في كثير من الأحيان على من تعتبرهم «مقربين» من صانعي القرار أو من تراهم «ناطقين غير رسميين» يطلقون بالونات اختبار لجس النبض حول أمور وقضايا معينة تخص الدولتين أو في ملفات حيوية مثل اليمن وغيره!
ومن ثم فقد اندفع هذا الفريق إلى توقع انهيار التحالف الاستراتيجي القوي على خلفية ما تثيره التقارير الإعلامية من مزاعم حول انسحاب الإمارات من اليمن، رغم التأكيدات الرسمية المتكررة، والقائلة بحدوث تغير في طبيعة الدور، بحيث انتقل من الشق العسكري إلى الشق السياسي، دعما لجهود الأمم المتحدة في تسوية الأزمة اليمنية سياسيا وتهيئة الأجواء لهذه التسوية، ولكن هناك في التحليل ما بات يعرف بالتحليل بالتمني، أي إسقاط ما يتمناه المرء أو يحلم به على الوقائع والأحداث ومحاولة إيهام الجمهور بذلك! وتلك حالة شائعة في نطاقنا العربي.
وهناك قسم ثان يضم الإعلام الموجه الممول من قطر وتركيا، والذي يتصدره أتباع تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي والمتعاطفون معه، ولهذا الفريق أجندة خاصة معروفة تهدف إلى تشويه صورة الإمارات ومحاولة النيل من مكانتها وسمعتها والعمل على تخريب التحالف الإماراتي السعودي بنشر الشائعات المغرضة، والسعي للوقيعة بين البلدين بشتى الطرق، وهذا الفريق مفضوح ومكشوف ولم ينجح في تحقيق أهدافه، نظرا لأنه خرج عن نطاق المنطق والمعقول في الترويج للشائعات والتقارير الكاذبة، ولا أعتقد أن لقنوات ومواقع وسائل هذا الفريق أي مصداقية بين الشعوب العربية عدا الشرائح الموالية فكريا وأيديولوجيا ومصالحيا له، ومن ثم فإن خطر هذا الفريق يبدو لي أقل خطرا من المتكهنين الذين أشرت إليهم في القسم الأول.
يستفيد كل من المتكهنين والمغرضين معا ويقتاتون إعلاميا على عوامل ومعطيات معينة، منها على سبيل المثال اجتهادات البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، وخوضهم في ملفات استراتيجية مهمة دون مراعاة مصالح الدولة وثوابتها، ومنها أيضا محاولات البعض الآخر اكتساب مزيد من الشهرة الإعلامية عبر محاولة الظهور بمظهر العالمين ببواطن الأمور أو المقربين من القادة وصانعي القرار!
الإشكالية التي يقع فيها القسم الأول (المتكهنون) أنهم غائبون عن فهم حقيقة توجهات دولة الإمارات، ومن هنا يأتي كثير من التحليلات مثيرا للشفقة من فرط السذاجة والسطحية في تفسير الأحداث والسياسات والمواقف، اعتمادا على «تغريدة» يعتقد البعض أنها تعبر عن موقف سياسي للدولة، في حين أنها ليست كذلك بالمرة.
ربما يقول البعض: ولماذا لا تبادر الجهات الإماراتية المعنية بنفي كل ما يثار من مزاعم؟ وهنا تبدو الإجابة ببساطة أن الإمارات لديها منظومة قيم ومبادئ تعمل بموجبها، ولا تلتفت إلى أي تخرصات أو أقاويل قد تستنزف وقتها وجهودها في معارك إعلامية فارغة، وتحرص فقط على توضيح وتأكيد مواقفها الرسمية عبر المسؤولين والقيادات والدوائر الرسمية المعنية بذلك، ولا تخوض غمار السجالات الإعلامية التي يستهدف أصحابها استدراج الإمارات إلى معاركهم وساحاتهم التي يبقى الترفع عنها أنموذجا إماراتيا جيدا في الرقي والتحضر اللذين يمثلان ركيزتين مهمتين من ركائز النموذج الإماراتي في مختلف المجالات.
وأقدم هنا مثالا لكل ما سبق، حيث جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مؤخرا إلى المملكة العربية السعودية، ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتأكيد الشيخ محمد بن زايد مجددا أن الإمارات والسعودية تقفان معا، بقوة وإصرار، في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة وحق شعوبها في التنمية والتقدم والرخاء؛ لتنسف كل ما تردد من مزاعم إعلامية حول تماسك التحالف بين البلدين الشقيقين.
وقد جاء التأكيد الإماراتي على أن «العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة كانت ولا تزال وستظل علاقات متينة وصلبة، لأنها تستند إلى أسس راسخة ومتجذرة من الأخوة والتضامن والمصير المشترك، إضافة إلى الإرادة السياسية لقيادتي البلدين الشقيقين وما يجمع بين شعبيهما من روابط الأخوة ووشائج المحبة والتقدير»، ليقدم رسالة ودرسا مهما للمتكهنين والمغرضين معا بشأن مسار التحالف الأخوي المتين بين البلدين.
لم يدرك البعض في منطقتنا بعد أن القيادتين الإماراتية والسعودية تقفان على أرض صلبة، وأن قرارهما بناء تحالف استراتيجي لم يكن قرارا تكتيكيا، بل خطوة مصيرية للحفاظ على أمن واستقرار الدولتين، ودرء أي مخاطر تهدد مكتسبات ومصالح الشعبين الشقيقين.