ا يتحقق النمو والتطور والاستقرار في أي دولة من الدول من دون توافر أسس وركائز أساسية في مقدمتها الأمن والأمان والاستقرار، هذه الثلاثية السحرية التي تمثل قاسماً مشتركاً بين جميع التجارب التنموية الناجحة عالمياً على مر التاريخ.
وقد أدرك القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فطرته القويمة ووعيه الاستراتيجي الفطري، الأسس والركائز التي يتطلبها بناء تجربته الوحدوية الفريدة، فكان غرس متطلبات الأمن والاستقرار من أهم أولوياته منذ بداية الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، سواء من حيث البناء الدستوري المحكم، أو ترسيخ الشورى وبناء مؤسساتها، أو وضع الخطط الازمة لتوظيف الموارد لمصلحة شعب الاتحاد، أو بناء قوات مسلحة اتحادية قوية تحمي البناء وتصون الأرض والمكتسبات، أو بناء علاقات دولية متوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة.
هذه المبادئ والأسس لا تزال تشكل عصب التجربة التنموية النموذجية في دولة الامارات، حيث يدرك القادة من أصحاب السمو حكام الامارات قيمة الحفاظ على الاستقرار باعتباره البناء. وقد جاء تجديد المجلس الأعلى لاتحاد دولة الامارات الثقة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ رئيساً للمجلس الأعلى للاتحاد لولاية رابعة، بمنزلة تأكيد على أهمية مواصلة الإنجازات واستكمال أهداف مرحلة التمكين التي تمضي بثبات نحو تحقيق أهدافها التي تتبلور في رؤية الامارات 2021، ومواصلة الاستعداد للاحتفاء بمئوية الامارات 2071.
الحقيقة أن الامارات قد راكمت الكثير من الإنجازات خلال مرحلة التمكين، على الصعد التنموية كافة، وارتقت إلى صدارة مؤشرات التنافسية العالمية في معظم المجالات، كما تحقق حلم مؤسسها، طيب الله ثراه، في الوصول إلى الفضاء، بنجاح رحلة هزاع المنصوري أول رائد فضاء اماراتي وعربي يصل على محطة الفضاء الدولية، في انجاز يجسد ما تحقق على أرض الواقع الاماراتي من تطور وتقدم في مجال استكشاف الفضاء.
الحقيقة أيضاً أن أكبر انجاز وأهم مكسب تحقق في مرحلة التمكين هو نجاح الرهان على قدرات المواطن الاماراتي، حيث كان، ولا يزال، الاستثمار في البشر هو بداية وهدف كل أهداف التنمية، وكان الاهتمام بالتعليم كأولوية في تأسيس الاتحاد باعتباره قاطرة التنمية والمحرك الأساسي لها، حيث شهد قطاع التعليم طفرات نوعية هائلة، والأرقام خير شاهد على التطور الحاصل في هذا القطاع منذ تأسيس الدولة، أي في أقل من نحو نصف قرن من الزمن، فبعد جامعة الامارات التي تأسست في عام 1976، أصبح لدى الامارات منظومة جامعية متكاملة تضم عشرات الجامعات التي تحتفظ ثمان منها بتواجد بارز ضمن أفضل 800 جامعة على مستوى العالم، وجاءت ايقونة هذه المنظومة وأحدث مخرجاتها في يونيو الماضي بالإعلان عن انشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأول جامعة في العالم للدراسات العليا في الذكاء الاصطناعي.
اقتصادياً على سبيل المثال، ربما تظهر الأرقام حجم التطور الهائل في عهد التمكين بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حيث زاد الناتج المحلي الإجمالي من 379 مليار درهم بالأسعار الجارية عام 2004 إلى نحو 52ر1 تريليون درهم بنهاية عام 2018 بنمو يزيد على 300%، والمر لا يقتصر على النمو الكمي بل تحققت طفرات في النمو النوعي من حيث تنويع القاعدة الاقتصادية وخفض الاعتماد على النفط مقابل زيادة الاعتماد على القطاعات غير النفطية، وصعود محركات جديدة للاقتصاد الوطني بالتوجه نحو الاقتصاد الخدمي واقتصاد المعرفة بتشجيع ثقافة الابتكار والتكنولوجيا الحديثة والاعتماد المتزايد على المعلوماتية كمورد جديد للدخل القومي، حيث سجلت الصادرات غير النفطية في عام 2018 نحو 212 مليار درهم مقابل 6ر10 مليار درهم في عام 2003، أي زادت بأكثر من عشرين ضعفاً خلال هذه الفترة.
الأرقام والإحصاءات ربما تكون خير مؤشر على ما تحقق من إنجازات هائلة في مجالات التنمية كافة، والأمر لا يقتصر على الاقتصاد بل شمل ما يعرف بجودة الحياة، وهي المؤشرات التي تقيس مستوى انعكاس النمو على حياة السكان، أو مدى إحساسهم بنتائج التقدم والطفرات الاقتصادية، وربما يكون مؤشر السعادة والثقة في المستقبل، اللذين تتبوأ الامارات المرتبة الأولى فيهما عربياً، وتقترب من المراتب الأولى عالمياً، من بين المؤشرات القوية الدالة على وجود حصاد مثمر لمسيرة التنمية في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة.
من بين المؤشرات أيضاً، يمكن الإشارة إلى تمكين المواطنين من الاسهام في تحمل المسؤولية وصناعة القرار الوطني، حيث تلازم التمكين السياسي مع التمكين التنموي، وتحققت اول تجربة انتخابية في الدولة بإعلان برنامج التمكين في عام 2005، بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين للاتحاد، حيث جرى انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) ومنح المرأة التصويت والترشح للمرة الأولى في تاريخ الدولة، وتواصل هذا البرنامج حتى وجه صاحب السمو رئيس الدولة برفع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان إلى خمسين بالمائة، لتصبح الامارات من بين أعلى دول العالم من حيث نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات.
خارجياً، باتت الامارات واحدة من القوى الإقليمية المؤثرة في صناعة القرار الدولي، بما تمتلك من مكانة اقتصادية وسياسة خارجية متوازنة، وقادرة وفاعلة، وبما تمتلك من سمعة طيبة ودور عالمي مؤثر في مجال المساعدات الإنسانية والاغاثية، التي لعبت الامارات من خلالها دوراً عالمياً بالغ الأهمية في تخفيف المعاناة عن ملايين البشر حول العالم من دون تفرقة بين لون وجنس وعرق، ما جعل منها قبلة للتسامح والتعايش بين بني البشر في واحدة من أكثر دول العالم أمنا وأماناً واستقراراً.
تجديد الثقة بولاية صاحب السمو الشيخ خليفة، هو تجديد للثقة في القدرة على مواصلة تحقيق الإنجازات وحصد المكاسب التنموية بما يعزز مكانة الامارات ويعمق رخاء وازدهار شعبها، حتي يستمر الاستقرار بإذن الله وتترسخ مقومات النموذج الاماراتي الذي بات ملهماً في دروسه وانجازاته لكل دول العالم التي تنشد النجاح والتقدم والتطور.