تؤكد الشواهد والوقائع جميعها أن التطور العلمي والتكنولوجي يمثل أحد رهانات دولة الامارات من أجل تعزيز تنافسيتها العالمية، وقد بدأت مسيرة الاهتمام بالعلم في الدولة عبر خطط واستراتيجيات متقدمة منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كان الاهتمام بالتعليم ونشر العلم أحد ركائز البناء الاتحادي.
قود استندت نهضة الامارات العلمية المعاصرة إلى تخطيط سديد ورؤية استراتيجية واعية استهدف تحقيق نقلة نوعية تضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، حيث نصت رؤية الإمارات 2021 ، على بناء اقتصاد معرفي وتنافسي، مدفوع بالابتكار والبحث والعلوم والتكنولوجيا، بقيادة كفاءات إماراتية ماهرة، كما استهدفت أجندة الإمارات للعلوم المتقدمة 2031 ، والتي أطلقتها الإمارات في أبريل 2018، توظيف العلوم المتقدمة في تطوير وابتكار حلول للتحديات المستقبلية ودعم جهود الحكومة في تحقيق مستهدفات الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، ومئوية الإمارات 2071 م من خلال دعم العلوم والقطاعات المرتبطة بمخرجات العلوم والتكنولوجيا. كما صاغت القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سياسة عليا في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، واستهدفت الإنفاق على البحث والتطوير لثلاثة أضعاف بحلول 2021، بغرض إحداث تحول حقيقي في الاقتصاد الوطني وزيادة نسبة الوظائف المرتبطة بقطاع المعرفة إلى 40 %. وهناك أيضاً مبادرات ومؤسسات وطنية حيوية لتحقيق هذه الأهداف منها مجلس علماء الامارات، الذي تأسس عام 2016، ساعياً إلى بحث سبل ووسائل بناء عقول إماراتية متخصصة وتشجيع البحوث التطبيقية وتنمية مهارات البحث والتطوير في القطاعات العلمية ذات الأولوية الوطنية إضافة إلى تمكين قطاع العلوم والتقنية الاماراتي من مواكبة التقدم العلمي والتغيرات العالمية المتسارعة، فضلاً عن تأهيل جيل من العلماء الشباب يسعون من خلال أفكارهم ومشاريعهم لتعزيز الاستدامة لاقتصاد الوطن. وهناك أيضاً منصة الامارات للمختبرات العلمية، التي اطلقت عام 2018، وتأسيس "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي"، في شهر أكتوبر 2019 لتدشن لمرحلة جديدة في مسيرة العلوم والتكنولوجيا في الإمارات، كونها الجامعة الأولى من نوعها على مستوى العالم في الدراسات العليا المتخصصة ببحوث الذكاء الاصطناعي، ومركز محمد بن راشد لأبحاث المستقبل، وكان من تجليات هذا التخطيط الرائد نجاحات كبرى تحققت في مجال الفضاء وإطلاق "مسبار الأمل"لاستكشاف كوكب المريخ، وتطوير برنامج نووي سلمي يمثل حلاً صديقاً للبيئة لتلبية احتياجات الدولة المتزايدة من الطاقة وتشغيل الوحدة الأولى لمحطة براكة للطاقة النووية. فضلاً عن الانطلاق بجدية وسرعة نحو الاستفادة من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وتوطين المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة في مجالات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.
هذه الجهود المخلصة انعكست في تصنيف الامارات عالمياً في مجالات العلوم والتكنولوجية، حيث تحتل المرتبة الأولى اقليمياً والثامنة عالمياً في التقدم التكنولوجي للدول، بحسب مؤشر مجلة "جلوبال فاينانس"، في يناير 2020، كما تحتل المرتبة 44 عالمياً في مؤشر الابتكار وفقاً لـ"بلومبيرج"، وهكذا لا ياتي أي نجاح تحققه الامارات من فراغ، بل يستند إلى عمل وجهد دؤوب استغرق عقود وسنوات طويلة مضت.
ولأن الامارات إحدى الدول التي اهتمت مبكراً بالعمل على الاسهام في جهود التصدي لوباء "كورونا"المستجد، حيث نجح العلماء والأطباء والباحثين في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، العام الماضي، في تطوير علاج بالخلايا الجذعية لفيروس "كوفيد – 19"، ثم جاء إنجاز نوعي آخر بالاعلان عن بدء انتاج لقاح "حياة ـ فاكس"المضاد لفيروس "كورونا"داخل الدولة، ليؤكد جدية الامارات في دعم جهود العالم للتصدي لهذا الوباء، حيث يعد اللقاح أو اسهام عربي واقليمي في انتاج لقاحات تدعم قدرة القيادة الرشيدة على مد يد العون لكل شعوب العالم التي تحتاج بشدة إلى لقاحات.
لقاح "حياة ـ فاكس"الاماراتي الذي سيُصنع بالتعاون مع شركة "سينوفارم سي إن بي جي"الصينية، بطاقة انتاجية تبلغ 200 مليون لقاح سنوياً، هو إنجاز نوعي مهم في وقت صعب للغاية بالنسبة للشعوب التي تحتاج بشدة إلى هذا اللقاح، كونه يدعم بقوة مبادرة منظمة الصحة العالمية الهادفة إلى توزيع نحو ملياري جرعة على الشعوب الفقيرة والنامية خلال عام 2021.
والمؤكد أن دخول الامارات بجدية في مجال انتاج اللقاحات، رغم حصولها على كميات كافية من اللقاحات، وتحقيق نسب عالمية عالية في تحصين المواطنين والمقيمين على حد سواء ضد الفيروس، إنما يرسخ مكانتها كدولة تتمتع بحس المسؤولية وتعمل على دعم جهود العالم في مواجهة التحديات.
لقاح "حياة ـ فاكس"يعكس رسالة الامارات ومبادئها وضميرها الانساني، ويؤكد أن القيم الخاصة بالتعاون الدولي تحتل مرتبة متقدمة في سياسات القيادة الرشيدة، التي لا تدخر جهداً من أجل تقديم يد العون والمساعد لشعوب العالم أجمع في مواجهة أي أزمات.