رغم الاغراءات والهدايا المجانية، التي قدمتها الولايات المتحدة لجماعة الحوثي، فإن قادتها يصرون على مواصلة الحرب واستهداف المنشآت الحيوية والاستراتيجية بالمملكة العربية السعودية؛ حيث توعد المتحدث باسم ميلشيا جماعة "أنصار الله" الحوثية العميد يحيى سريع السعودية، "بضربات قوية وموجعة لم تعهدها من قبل"، وقال سريع في مقابلة له على قناة "المسيرة" الموالية للحوثيين، إن ماحدث من عمليات خلال 6 سنوات قد يتكرر مثلها وأكثر خلال عام واحد!
الجميع يعرف أن القرارات تملى على هذه الجماعة من جانب قادة الحرس الثوري الايراني، وأنهم مجرد ورقة يوظفها نظام الملالي في إطار التنافس الاقليمي مع المملكة، وبما يعزز موقفهم في لعبة الشد والجذب التي يمارسونها مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن تقديم تنازلات أمريكية لميلشيا الحوثي بهدف جذبهم بعيداً عن الدوران في الفلك الايراني لن يجدي نفعاً، باعتبار أن عنوان المخاطبة الرئيسي لهذه الجماعة في طهران وليس في صنعاء.
اللافت أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ لم يصدر خلال جولته الحالية أي تحذير للحوثيين من استمرار القتال، واكتفى بالإشارة إلى ضرورة إيقاف الهجمات من أجل التقدم نحو الحل السياسي وإنهاء الحرب ومعالجة تبعات الأزمة الإنسانية في اليمن من دون تحديد تبعات هذا الأمر ومسؤولية وقف الهجمات تحديداً، لاسيما أن المملكة العربية السعودية قد أعلنت مؤخرا عن مبادرة عقلانية لحل الأزمة اليمنية.
بعد فشل مهام مبعوثي الأمم المتحدة لليمن واحداً تلو الآخر منذ عام 2011 وحتى الآن، فإن الدرس الأهم في هذه الاخفاقات يكمن في ضرورة انطلاق أي جهد لتسوية الأزمة من التعقيدات الخارجية المرتبطة بالوضع في اليمن، كأزمة البرنامج النووي الايراني، ومع ذلك فإن الرئيس جو بايدن لم يترجم ـ حتى الآن ـ اهتمامه بوقف الحرب في اليمن من خلال مواقف وسياسات تتناسب مع حجم الأخطار الناجمة عن استمرار الصراع. بادر الرئيس بايدن عقب توليه السلطة إلى إعلان ملامح جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، كان من بينها ضرورة وقف الحرب في اليمن وانهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية وكذلك الصفقات العسكرية المرتبطة بتلك الحرب، فضلاً عن تعيين مبعوث أمريكي خاص إلى اليمن.
اقر الرئيس بايدن منذ تسلم منصبه بأن المملكة العربية السعودية تتعرض لهجمات من دول مجاورة، وتعهد بمواصلة دعمها في الدفاع عن سيادتها وأمنها ومواطنيها، والتصدي للصواريخ التي تطلقها ميلشيا الحوثي، ولكن ماحدث فعلياً أن الاجراءات الأمريكية على أرض الواقع تصب في مصلحة الحوثي وداعميه الايرانيين، على حساب الأمن والاستقرار والمصالح الاستراتيجية لأحد أبرز شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل إن التصعيد الحوثي الأخير لم يقابل ولو بموقف سياسي صارم من الجانب الأمريكي!
لا أحد يطالب إدارة الرئيس بايدن بالتورط في حروب جديدة أو التدخل عسكرياً بشكل مباشر لحماية أحد شركائها الاستراتيجيين المهمين، ولكن وعده باستعادة هيبة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي يفترض أن يبدأ من السيطرة على التوترات والنقاط الساخنة حول العالم، ولاسيما في المناطق الحيوية وخصوصاً إذا ترافقت هذه التوترات بتهديد مستمر بعرقلة تدفق موارد الطاقة من منطقة الخليج العربي إلى الأسواق العالمية.
من المعلوم أن نظام الملالي لا يريد ايقاف الصراع في اليمن سعياً لاستنزاف المملكة العربية السعودية ومحاولة عرقلة التطور التنموي الذي تشهده، ومن المعلوم كذلك أن الملالي قد وضعوا استقرار اليمن وشعبه رهينة لطموحاتهم النووية وصراعهم مع الولايات المتحدة، لذا فإن تفكيك هذه التعقيدات وتنفيذ تعهد الرئيس بايدن بانهاء الحرب في اليمن يبقى الاختبار الأهم للولايات المتحدة في المدى المنظور.