اثبت "حزب الله" اللبناني أنه أكثر من مجرد ميلشيا ارهابية يجب التصدي لخطرها، حيث تحول إلى قنبلة موقوتة تهدد بتفجير علاقات الدول، ومحاولة لعب دور المشاغب الاقليمي الذي لا يمكن السيطرة عليه! بالأمس تجاوز حسن نصر الله كافة الخطوط الحمر التي يمكن أن يقف عندها العمل الميلشياوي العابر للولاءات والسيادة الوطنية للدولة اللبنانية، واتهم المملكة العربية السعودية بـتفريخ ورعاية وتصدير "الارهاب"، وجاء حديثه فاضحاً لميوله وولاءاته التي لا يخفيها، بل ويفاخر بها قفزاً على سيادة دولته اللبنانية التي تقف أمامه عمالته العابرة للجغرافيا، حائرة عاجزة عن لجم جموحه الدائم لتقديم الاسناد لمن يملئون خزائنه ومخازنه بالمال والسلاح والأفكار أيضاً.
لن افند خطاب نصر الله ومزاعمه حول اتهام المملكة العربية السعودية بالارهاب لأن الجميع بات على بينة تامة بمن يمارس الارهاب ومن يمول من في منطقة لا تصلح مخزناً للأسرار!
كخليجي وعربي، لست أشعر بالاستياء من مزاعم وتخرصات نصر الله بقدر ما أشعر بالخزي والعار من هويته التي يفترض أنها لبنانية ـ عربية، فالرجل لا يمثل لبنان و"الشريحة الأوسع من اللبنانيين"، بحسب ماقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وهذه حقيقة رغم كل علامات الاستفهام التي تحاصر موقف القادة اللبنانيين تجاه هذا العابث المغامر بمصير لبنان وشعبه، ولكن تبقى المعضلة الأخطر في إصراره الشديد على تدمير هذا الوطن الجميل وتحويله إلى مستنقع للفوضى والخراب!
شخصياً اؤمن بأن مصدر القوة والهيمنة الوحيد لهذا الحزب الارهابي على الساحة اللبنانية هو ترسانة الأسلحة الضخمة التي يمتلكها، وليست شعبيته المزعومة، فالحزب سبق له أن خاض معارك كسر عظام مع كل أطراف الساحة اللبنانية، ولم يستطع أحد وقف مخططاته المستمرة لتحويل لبنان إلى مخزن أسلحة كبيرة يعمل كقاعدة مواجهة متقدمة ضد إسرائيل وضد الشعب اللبناني نفسه.
لم يعرف العالم الكثير من الأحزاب السياسية التي تفرض نفوذها وقوتها بلغة الرصاص بدلاً من البرامج والسياسات، سوى تلك الأحزاب الفاشية الدموية التي عرفها العالم في حقب تاريخية سابقة، والآن عادت الظاهرة لتطل برأسها من جديد ولكن عبر ستار أحزاب طائفية كانت بالأساس ميلشيات مسلحة وجدت في العمل السياسي ستارة مناسبة لتحقيق أهدافها، كما هو الحال بالنسبة لتنظيم الإخوان المسلمين والميلشيات الطائفية التي تمتلك واجهات سياسية في دول عربية عدة كالعراق ولبنان واليمن وغيرهم.
يدرك نصر الله ـ كما اعترف بنفسه في خطابه الأخير ـ أنه يعمل على تخريب العلاقات السعودية ـ اللبنانية، وترسيخ واقع اختطاف الدولة اللبنانية تحت تهديد سلاح الميلشيات، ولكنه لا يدرك أن دوره في المسرحية الاقليمية قد يسدل عليه الستار في أي وقت برغبة من "المخرج" أو "المنتج" وهما بالمناسبة طرف واحد! ولعل أكثر ما يثير السخرية في خطاب نصر الله أنه يشير إلى وجود اللبنانيين العاملين بالمملكة العربية السعودية باعتبارهم "رهائن"، وهو يدري تماماً أنه لو انفرجت الأبواب لسافر فوراً أضعاف أضعاف هؤلاء طوعاً بكامل إرادتهم للانضمام إلى من يزعم أنهم رهائن، لأن الشعوب ـ ببساطة ـ تسعى إلى حياة كريمة يعيش فيها الانسان آمناً مطمئناً، والناس في الأخير لن تقتات على الشعارات والبطولات الفارغة، بل تبحث عن لقمة عيش شريف تكسبها بعرق جبينها لا من خلال حروب الميكروفونات، وليس هناك للشعوب أفضل من حياة بعيدة عن أهواء رجل طائش يستطيع أن يشعل الأرض من تحتهم والأجواء من فوقهم حرباً ونيراناً سواء مع أطراف داخلية أو مع قوى خارجية اشباعاً لنزواته الدموية وتنفيذاً لاملاءات أسياد لا يستطيع أن يرفض لهم طلباً. وقد لا ابالغ ـ من دون أن ينتقص ذلك من احترامي وتقديري للمخلصين من أهل هذا البلد العربي ـ إن قلت أن الرهائن الحقيقيين هم من يضع هذا الحزب الارهابي سيف الخوف على رقابهم ويهددهم بامتلاك مائة الف من المسلحين، وأن عليهم أن يقبلوا بوجود حزب ارهابي في حكومتهم ودولتهم أو ينتظروا الدمار، الذي جلبه لهم بالفعل مرات ومرات.
الحقيقة أن نصر الله قاد تمادى في الغي والضلال ولم يترك لنفسه خط رجعة للتراجع عن الخيالات والأكاذيب التي يرددها، والحقيقة كذلك انه لا يمكن ارتهان مصير دولة وشعبها لعقلية طائفية مدمرة على هذا المستوى من الخطورة، ولا يعقل أن يبقى قادة دولة عاجزين عن الحل والعقد في ظل فوهات البنادق الطائفية الموجهة إلى صدور الجميع، وليس من المنطق في شىء أن يعجز المجتمع الدولي عن ايحاد حلول لحالة اختطاف دولة وارتهانها لإرادة ميلشيا ارهابية مسلحة.
الثابت أن لبنان لن تقوم له قائمة في ظل هيمنة هذه العقلية الاستبدادية المعادية للدولة الوطنية، فنصر الله بات عاشق للزعامة الوهمية ومدمن لفلاشات التصوير، ولن يتخلى بسهولة عن بطولته الورقية التي تدفعه في كل يوم إلى تبني المزيد من المواقف العشوائية والخطب الهوجاء.
الأزمات التي يصنعها نصر الله لا تقتصر على لبنان، لذا فهي تذكر الجميع في المنطقة والعالم بضرورة العمل على نزع سلاح الميلشيات، وفي مقدمتها "حزب نصر الله" واستئصالها تماماً من دول الشرق الأوسط.