جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات في الثامن عشر من مارس لتفتح الباب على مرحلة جديدة في علاقات سوريا ليس فقط بحاضنتها الجيوسياسية الطبيعية، العالم العربي، ولكن أيضاً بدول العالم كافة، حيث تعد الزيارة أول انتقال للرئيس السوري إلى بلد عربي منذ إندلاع الأزمة السورية عام 2011، ناهيك عن كونه ـ كما أشرت ـ أول تحرك دولي خارج نطاق حليفي دمشق التقليديين: إيران وروسيا.
هذه الزيارة المهمة ليست مفاجئة في وجهتها ولا حتى في توقيتها لأنها تأتي في سياق تطور طبيعي متدرج يمضي في سياق رؤية إستراتيجية إماراتية دقيقة لاعادة دمج سوريا عربياً ودولياً، وذلك في سياق تحركات إماراتية دبلوماسية نشطة لرأب الصدوعات ومعالجة الأزمات التي تعانيها المنطقة العربية منذ عام 2011. والمؤكد أن أهمية توجه الرئيس الأسد إلى الإمارات لا تكمن في كونه أول حراك من نوعه، ولكن تكمن في كسر الحاجز القائم بين دمشق والعواصم العربية، بعد أن تم كسره بالفعل في الاتجاه المؤدي من العواصم العربية لدمشق، وهو مايفسر جانباً من الإهتمام الاقليمي والدولي الذي حظيت به الزيارة التي تنطوي بالفعل على دلالات سياسية مهمة للغاية، ولاسيما أنها تتزامن مع نشوب أزمة كبرى لها ارتباطات وتداعيات مباشرة على سوريا، الأزمة والدولة معاً.
نهج الإمارات لتهيئة الأجواء بين دمشق والعواصم العربية بدأ بإعادة فتح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية دمشق بنهاية ديسمبر 2018، تلاها أول اتصال هاتفي منذ بدء الأزمة السورية وجرى في 27 مارس 2020، بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والرئيس السوري، ثم زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى دمشق في نوفمبر الماضي، في مسعى إماراتي واضح يستهدف حلحلة الموقف العربي تجاه دمشق، ومنح هذا الموقف قوة دفع إيجابية قوية، وأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن بحكم ما يميز السياسة الخارجية الإماراتية وتحركاتها في الساحتين الإقليمية والدولية من جرأة تحتاجها الملفات المعقدة والجامدة أحياناً، وتفكير خارج الصندوق لا يخضع للقواعد الروتينية التي لا تتماشى مع خطورة الأزمات التي تعانيها بعض دول المنطقة، وفي مقدمتها سوريا.
الإمارات في هذا كله لاتعمل بمعزل عن الأشقاء العرب، وبقية عواصم صنع القرار العربي في المرحلة الراهنة، انطلاقاً من ضرورة وقف التداعيات السلبية الخطيرة التي ترتبت على غياب عواصم عربية رئيسية عن الاضطلاع بدورها الإقليمي، ماتسبب في حدوث فراغ إستراتيجي إستغلته قوى إقليمية للتمدد والتوسع بما تسبب في المزيد من الإرباك والفوضى الإقليمية وإطالة أمد الأزمات التي تعانيها شعوب عربية عدة.
يعكس إستقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي للرئيس السوري بشار الأسد في أبوظبي وسط أجواء أخوية بشكل لافت، عودة الدفء لأجواء العلاقات الإماراتية ـ السورية، وهذا يمهد بالتأكيد لعودة سورية مماثلة للحاضنة العربية، أو معظمها على أقل التقديرات، وهذا ما أكده قول صاحب السمو ولي عهد أبوظبي حين أعرب عن أمله في أن تكون الزيارة "فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا الشقيقة والمنطقة جمعاء"، مشيراً إلى أن "سوريا الشقيقة تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها".
وقد أشارت المواقف الثنائية الصادرة عقب المحادثات إلى أولويات دولة الإمارات ك، حيث أعلن أن الجانبين أكدا على ضرورة "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية" وهذه إشارة مهمة للغاية تعكس توافق الرؤى حول ضرورة عودة سوريا بكامل سيادتها على أراضيها وخروج أي قوات أجنبية، والإشارة هنا معلومة للجميع وتخص الوجود الايراني والروسي والتركي والأمريكي، وهذا بحد ذاته بمنزلة توجه نوعي للسياسة السورية يجب تشجيعه ودعمه ومساندته من أجل تحقيق هذا الهدف الحيوي، لأنه ـ ببساطة ـ من دون وقوف الإمارات وبقية العرب خلف دمشق ودعمها لن تقدر على مطالبة الدول التي لديها قوات في الداخل السوري بسحب قواتها.
أعتقد ـ كمراقب ـ أنه لا يجب أن نشغل أنفسنا بالبحث في خلفيات هذه الزيارة المهمة، أو التساؤل عن مدى رضا الإيرانيين عنها كما يذهب بعض المحللين، لأن مايهمنا بالأساس أنها تمت وأن دمشق تدرك تماماً ضرورة عودتها لحاضنتها العربية بأسرع وقت ممكن، فالزيارة بحد ذاتها ليست مفاجئة سواء في ضوء تطور العلاقات الإماراتية ـ السورية كما ذكرت، أو في ضوء إعادة التموضع الجيواستراتيجي الذي تشهده المنطقة والعالم، فلم يعد هناك تحرك غريب أو مفاجىء لأننا نمر بمرحلة إنتقالية في العلاقات الدولية، ونعيش أزمة عالمية كبرى لها تداعيات مؤكدة على النظام العالمي، وبالتالي يصبح تفسير الأحداث والتطورات في ضوء قواعد اللعبة التقليدية المتعارف عليها بمنزلة إستبعاد للمتغيرات الرئيسية المؤثرة في بيئة هذه الأحداث والتطورات.