للجيوش الوطنية في دول العالم مكانة ومراتب مهمة في الوعي الجمعي للشعوب، وهذه المكانة تزداد عمقاً وتوهجاً في بعض هذه الدول مثل دولة الإمارات، حيث تعد القوات المسلحة أحد أبرز رموز الوحدة والإتحاد، ويمثل القرار الذي اتخذه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ في السادس من مايو عام 1976 بتوحيد القوات المسلحة في مختلف إمارات الدولة، يمثل هذا القرار تأسيساً ثانياً لدولة الإتحاد وانطلاقة جديدة للعملية الوحدوية ارتكازاً على قاعدة إستراتيجية جديدة هي القوات المسلحة بكل ما تمثله من ثقل وما تمتلكه من رمزية ودلالات عميقة في الضمير الوطني.
في ضوء ماسبق، يمكن فهم الإحتفاء السنوى الكبير بذكرى توحيد القوات المسلحة بدولة الإمارات، ويمكن كذلك قراءة الرسائل العميقة التي تتضمنها كلمات قادة الدولة في هذه المناسبة، لاسيما أن الكثير من دوافع القرار التاريخي الذي اتخذه القائد المؤسس بشأن توحيد القوات المسلحة لا تزال قائمة، ورؤيته لا تزال صالحة لتفسير وفهم أبعاد هذا القرار، حيث رأى ـ طيب الله ثراه ـ أن "بناء قوات مسلحة قوية في منطقة تشهد تقلبات وتحديات عديدة، ووضع إستراتيجية شاملة لبناء جيش قادر عـلـى حماية الدولة الوليدة، وتجسيد معاني الإنتماء الوطني والتضحية والفداء"، وبالفعل لا تزال منطقتنا ـ الخليجية والعربية ـ تشهد تقلبات وتحديات ربما أشد خطورة وأكثر تأثيراً من تلك التي شكّلت في مجملها بيئة لصناعة قرار التوحيد وقتذاك.
وفي كلمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلّحة ـ حفظه الله ـ بهذه المناسبة يقول "إنني وأخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وأخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخواني أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكّام الإمارات، ماضون في تطوير قدرات جيشنا الوطني؛ تسليحًا وتنظيمًا وتدريبًا وإدارة، بما يُمكّنه من أداء واجباته الوطنية" كما يؤكد سموه على أن مضي دولة الامارات في نهج التعاون العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة قائلاً "سنستمرّ في توسيع علاقاتنا وتعاوننا العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة، وتحديث قواتنا، وتنويع مصادر تسليحها، وتطوير صناعاتنا العسكرية الوطنية، التي أصبحت، بمُنتجاتها المُتقدّمة، أحد الروافد المُهمّة لتنويع اقتصادنا الوطني". كما يأتي كذلك تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته بهذه المناسبة على المعاني ذاتها حين يقول "إننا نعيش في بيئة إقليمية ودولية مضطربة وسريعة التحول والتغير، وتحمل في طياتها الكثير من مصادر التهديد والخطر على الأمن الوطني للدول"، ويقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" "وكما كان لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية دور رئيسي في إنجازات الخمسين الأولى، فإن هذا الدور ممتد في الخمسين الثانية وما يليها، وهو دور متعاظم مع ما يشهده العالم من متغيرات جامحة، ومع ما تشهده العلاقات بين الدول الكبرى من تعقيدات وتدافع ومواجهات عسكرية مباشرة وغير مباشرة، تلقي بظلالها على العالم بأسره، وتهدد الأمن والسلم الدوليين، وتنذر بحال من الفوضى في النظام الدولي ومؤسساته التي بدت مشلولة في التعاطي مع الأزمات الدولية المزمنة والمستجدة". مجمل هذه الرؤى الاستراتيجية الواعية التي عكستها كلمات القيادة الرشيدة في واحدة من أهم المناسبات الوطنية لدولة الامارات وشعبها، توحي بمكانة القوات المسلحة في منظومة التخطيط التنموي للدولة، باعتبارها الحصن الذي يحيط هذه التجربة التنموية الفريدة بسياج الحماية والأمان والاستقرار، وهذا ما يجعل القادة جميعاً حريصين على إحاطة القوات المسلحة بالتصورات والرؤى الخاصة بالوضع الاستراتيجي اقليمياً ودولياً، من أجل ترسيخ الوعي لدى جميع عناصر هذه المنظومة الوطنية بالغة الأهمية، وبشكل يتناسب مع قيمة ومكانة هذه المؤسسة في الحفاظ على مكتسبات دولة الإمارات وصون الأمن والاستقرار الاقليمي.
إذا كانت الجيوش الوطنية قد أثبتت وأكدت خلال العقد الفائت، وتحديداً منذ الفوضى والإضطرابات التي عٌرفت إعلامياً بـ الربيع العربي"، أهميتها الفائقة كحصن حصين للدولة الوطنية في منطقتنا والعالم أجمع، فإن القوات المسلحة لدولة الإمارات تلعب أدواراً أكثر عمقاً بحكم اتساع أدوارها لتشمل أبعاداً خارجية ترتكز على الجوانب الإنسانية والإغاثية والقيمّية وتمثل ذراعاً مهماً لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الإماراتية في البُعدين الانساني والحضاري.