تثبت عناصر الإرهاب بين الفينة والأخرى أنها تمثل التحدي المزمن للدول في منطقتنا والعالم، وآخر تلك البراهين هو الجريمة الإرهابية الآثمة التي راح ضحيتها 11 جندياً مصرياً إثر تصديهم لهجوم شنته عناصر إرهابية على إحدى محطات رفع المياه في محافظة سيناء.
ورغم أن هذا الهجوم الإجرامي قد وقع عقب فترة من الهدوء الذي شهدته هذه المنطقة الحدودية خلال العامين الماضيين بعد نجاح القوات المسلحة المصرية في إستئصال بؤر الإرهاب في شمال سيناء، حيث كانت عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي تتمركز.
هذا الهجوم الإرهابي الآثم لا ينفصل عن أنشطة إجرامية أخرى تشهدها مناطق متفرقة من الشرق الأوسط والقارة الافريقية، حيث تركز تنظيمات الإرهاب أنشطتها في الآونة الأخيرة، وتمثل تحدياً قديماً / جديداً يضاف للتحديات التنموية الهائلة التي تواجه الدولة المصرية، التي تعد أحد أكبر الإقتصادات الإقليمية المتأثرة بتداعيات الأزمة الأوكرانية.
ورغم الثقة في قدرة مصر على التصدي للتهديد الإرهابي، فإن الحقيقة أن أكثر ما يقلق في الهجوم الإرهابي الأخير في سيناء هو أنه يعكس إصرار الجماعات الإرهابية على محاولة تشتيت إنتباه الدولة وإشغالها بمثل هذه الهجمات اليائسة التي تعكس عدم قدرة عناصر الإرهاب على مواصلة الهجمات ضد الجيش المصري وتحوله إلى سيناريو إجرامي آخر يتمثل في محاولة إستهداف منشآت البنى التحتية في تعبير عن فكر يائس يسعى لإحداث البلبلة ومحاولة إثبات الوجود بأي طريقة من الطرق.
هذا الإعتداء الإرهابي الجبان يؤكد أيضاً أن الإرهاب بكل أطيافه لن ينتهي ـ فكراً وممارسة ـ بالسهولة التي يتخيلها البعض، والسبب لا يكمن في قوته ولا تجذره او انتشاره، بل يمكن في دينامية هذه الأيديولوجية السرطانية الذي تتسم بالعمل وفق دورات عمل زمانية ومكانية تراوح بين مد وجزر، حيث يناور و يختبىء لكنه يتحين الفرصة للعودة مجدداً كلما لاحت له الفرصة ليس من تهاون أمني ولا تراجع في أولوية مواجهته ضمن أجندة عمل المؤسسات العسكرية، ولكن بحكم توالي الأجيال التي ينتقل إليها هذا الفكر المريض عبر قنوات وأدوات مختلفة، ناهيك عن وجود بذور لهذا الفكر تعيش وسط المجتمعات في إطار ما يسمى بالخلايا النائمة، التي تقوم بدور ناقل الفكر وغرسه لدى الأجيال الجديدة، بصورة أكثر شراسة وعنفاً وميلاً لسفك الدماء.
تنظيمات الإرهاب وعناصره تتبنى إستراتيجيات وتكتيكات متغيرة، وتعد السيطرة على أنشطتها وإستعادة الهدوء في شمال ووسط سيناء طيلة العامين الماضيين، دليلاً قوياً على نجاح وفاعلية جهود مواجهة هذه التنظيمات، ولكن قدر مصر وشعبها أن تبقى في رباط إلى يوم القيامة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن تظل على خط المواجهة الأمامي مع كل ما يهدد الأمن والإستقرار في منطقتنا والعالم، وأن يواجه أبناء جيشها الباسل هذه المخططات التدميرية بكل شجاعة وتضحية في سبيل حماية مقدرات الشعب المصري والحفاظ على مكتسباته.
ولاشك أن مهمة التصدي لخطر الإرهاب المزمن سواء في سيناء أو في ليبيا أو غيرها، وكذلك تنظيمات الإرهاب الممنهج في اليمن ولبنان والعراق وسوريا والأراضي الفلسطينية، تحتاج إلى تكاتف جميع دول المنطقة وتعاونها، لأن هذا الخطر لا يفرق بين دولة وأخرى أو شعب وآخر، بل يطال الجميع، كما أن مهمة التصدي له تفوق قدرة أي دولة على العمل بمفردها مهما بلغت إمكانياتها وقدراتها وقوتها الشاملة، لأن الأمر لا يرتبط بالقوة فقط بل يرتبط بجوانب أخرى حيوية مثل التعاون المعلوماتي وتبادل الخبرات وتوحد جهود المحاصرة والمواجهة كي تحقق الأهداف المرجوة منها.
وإذا كان العالم قد انشغل في العامين الأخيرين بأزمة تفشي وباء "كورونا" ومن بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، بكل ما تداعياتها لاسيما على الصعيدين الإقتصادي والسياسي، فإن من الضروري ألا يتسبب ذلك في تراجع أولوية مكافحة الإرهاب ضمن أجندة التعاون الدولي، فالخطر الإرهابي لم ينته سواء في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها، وانحسار التركيز الإقليمي والدولي على الإرهاب سيكون خطأ كبيراً وخسارة فادحة تضاف إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدتها البشرية، ولا تزال، خلال العامين الأخيرين لأسباب مختلفة.
جريمة مقتل الجنود المصريين في سيناء مؤخراً هي جرس إنذار ينبه الجميع في منطقتنا والعالم إلى إستمرار هذا التهديد والخطر والمزمن، ومصر التي تخوض الحرب ضد الإرهاب لا تقف بمفردها، فدولة الإمارات التي تعد أكثر العرب الداعمين لأمن واستقرار الدولة المصرية، تقف بقوة داعمة لأمن الشقيقة الكبرى مصر انطلاقاً من قناعة متجذرة رسخها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتمضي عليها قيادتنا الرشيدة، بأن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن أمن مصر وبقية الدولة العربية من أمن الإمارات واستقرارها.