جاءت الكلمة التي القاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ يوم الثالث عشر من يوليو تجسيداً واضحاً لرؤية سموه الإستراتيجية الواعية للمعطيات التي تشهدها دولة الإمارات، وكذلك البيئة الإقليمية والدولية التي تعيش فيها.
حيث جاءت كلمة صاحب السمو رئيس الدولة، والأولى له منذ توليه منصبه منتصف مايو الماضي، كاشفة لحقائق وأمور عدة، أولها قيمة الوفاء المتجذرة في وعي القيادة الإماراتية، وهي قيمة إنسانية نبيلة تتوارثها الأجيال من خريجي مدرسة زايد العطاء، الذي غرس في وجدان الشعب الإماراتي، وحرث هذه الأرض وخلطها بقيمة الوفاء، التي تمثل جزءاً أصيلاً من قيم ومبادىء الانسان الاماراتي، فكيف بأحد أبرز رواد هذه المدرسة وخريجيها الذين نهلوا عن قرب من الوالد المؤسس جميع قيم الخير والوفاء والعطاء. في ضوء ماسبق استهل صاحب السمو رئيس الدولة كلمته برثاء "القائد الوالد" و"صاحب القلب الكبير" و"المعلم الحكيم" موثقاً شهادة للتاريخ بحسن أداء الراحل الكبير للأمانة التي حملها طيلة فترة حكمه ـ رحمه الله ـ بإخلاص وحكمة، مشيراً سموه إلى إرث الفقيد الراحل من العطاء لشعوب المنطقة والعالم.
هكذا الإمارات، حيث يتسلم الراية جيل بعد جيل في إطار منظومة من الوفاء والعطاء ومواصلة رسالة بدأها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ثاني هذه الأمور أن رسالة الخير والسلام التي أراد زايد وإخوانه المؤسسون ـ رحمهم الله جميعاً ـ هي نهج حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ على إعلان تمسكه به، ومواصلة المضي على دروب الحكمة والرؤية التي خطّها القائد المؤسس، ليثبت أن الامارات سفينة تمضي برؤية واعية للمستقبل، متمسكة بهويتها وموروثها الثقافي والحضاري لينير لها الدروب في حاضر الأيام وقادمها.
ثالث الأمور أن كلمة صاحب السمو رئيس الدولة قد حملت خطوطاً عريضة لنهج حكم سموه، وسياسات الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى مستوى الداخل جاء التأكيد على مواصلة الإهتمام بسياسات التمكين، باعتبارها "قمة الأولويات منذ تأسيس الدولة"، وبحيث تظل راحة المواطن وسعادته ورعايته محور خطط المستقبل وهدفها. وبين السطور في هذه العبارات القلائل يمكن تفصيل الكثير من الكتب والدواوين في شرح وتحليل إستراتيجية رفاه المواطن، وكيف يتم تسخير الثروة والموارد الطبيعية وعوائد التنمية من أجل ان تحقق هذا الهدف الذي يمثل حقيقة تتجلى في كل ربوع دولة الإمارات.
خارجياً، حرص صاحب السمو رئيس الدولة على تأكيد سيادة الدولة باعتبارها مبدأ أساسي لا يمكن التنازل عنه أو التهاون فيه، وبموازاة ذلك يأتي التأكيد على قيم التعايش والإحترام والصداقة في العلاقات الخارجية للدولة، التي تمد يد الصداقة لكل من يشاركها قيم التعايش والإحترام المتبادل لتحقيق التقدم والإزدهار لنا ولهم. القاعدة هنا واضحة وهي إقتران العلاقات الدولية بقيم التعايش والإحترام المتبادل، وهذه هي أسس السياسة الخارجية لدولة الإمارات منذ تأسيسها، واليوم تترسخ هذه الأسس بفعل مبادرات تاريخية مثل توقيع إتفاق ابراهيم مع إسرائيل، والذي يكمل منظومة التعايش الإماراتي مع مختلف دول العالم على قاعدة الإحترام المتبادل والتوافق والتعايش الإنساني.
حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته على تأكيد مسارات العمل الإماراتي وتعزيز الثقة بالشراكات الدولية والإقليمية القائمة مع معظم دول العالم، مجدداً العهد بالمضي وفق ثوابت الإمارات ونطاقات اهتمامها الإستراتيجية، حيث أكد على استمرارية "تعزيز القدرة التنافسية الإقتصادية لدولة الإمارات وتحقيق أفضل المؤشرات العالمية في هذا المجال"، و"تنمية قدراتنا في مجال العلوم والتكنولوجيا وتطويرها"، مشدداً على أن "دور القطاع الخاص محوري ويجب تنشيطه وزيادة مساهمته في تنمية الإقتصاد"، وعلى صعيد السياسة الخارجية، جدد السعي خلال المرحلة المقبلة للبناء على السمعة الطيبة في إقامة شراكات إستراتيجية نوعية مع مختلف الدول، ومواصلة "تعزيز دورنا ضمن الدول الرائدة عالمياً في تقديم المساعدات التنموية والإنسانية والعمل الخيري والاستمرار في مد يد العون إلى المجتمعات في جميع أنحاء العالم دون النظر إلى دين أو عرق أو لون"، مجدداً إلتزامه ببقاء الإمارات كمزود موثوق للطاقة وداعم رئيسي لأمن الطاقة العالمي، محدداً الإطار العام للسياسة الخارجية للدولة في كونها "ستظل داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم وعوناً للشقيق والصديق وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدمها وسنستمر في نهجنا الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوازنة القائمة على الثقة والمصداقية والإحترام المتبادل مع دول العالم لتحقيق الاستقرار والإزدهار للجميع".
مدرسة الحكم في الإمارات هي مدرسة الإستمرار والتطور والرسوخ، فالقيم التي غرسها القائد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هي نهج ينير الدروب وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قائد بالفطرة يدرك قيمة التمسك بالمبادىء وأهمية الإستمرارية واستشراف المستقبل لبناء مستقبل أفضل للدول، لذا جاءت كلمة سموه عاكسة لرؤية إستراتيجية واعية تدرك قيمة المزج بين الماضي والحاضر والمستقبل في إطار من التخطيط والتحديث واستيعاب الظروف والمتغيرات لتعزز مواقعها ومكانتها وترنو إلى ما تستحق وما تطمح إليه قيادتها وشعبها.