في الماضي، كانت الحروب العالمية والأحداث الكبرى ترسم ملامح الحقب التاريخية التالية لها،
تصيغ مشهد القيادة والسيادة في العالم،
ومع تراجع فرص الحروب العالمية الكبرى بسبب التقدم الهائل في أسلحة الدمار الشامل، برزت متغيرات جديدة قادرة على رسم ملامح النظام العالمي وتحديد هوية من يقود العالم في مراحل تاريخية معينة.
من المتغيرات الجديدة المرشحة للعب دور حيوي في تحديد ملامح النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، مصادر التهديد غير التقليدية
مثل التغير المناخي والكوارث والأزمات والاوبئة،
حيث يمكن لقطب من أقطاب النظام العالمي القائم الصعود إلى قمة الهرم والانفراد بها أو تقاسم النفوذ والسيادة مع بقية الأقطاب.
على خلفية تفشي فيروس "كورونا" ظهرت عشرات التحليلات ووجهات النظر القائلة بأن أزمة كورونا ستلعب الدور الأبرز في تحديد ملامح النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين،
يرى البعض أن الصين ستخرج من هذه الأزمة لتتربع على قمة عرش هذا النظام بفعل نجاحها في محاصرة الفيروس
يرى آخرون أن معركة "الأمصال" هي التي ستحدد هوية المنتصر ، ويستشهدون على ذلك بما يدور وراء كواليس السياسة من صراعات كبرى حول الحصول على أسبقية اكتشاف مصل مضاد لهذا الفيروس الفتاك،
عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبلغاً خيالياً على شركة ألمانية مقابل انتقالها للولايات المتحدة وجعل نتائج اختباراتها المعملية الطبية المتقدمة التي توشك على انتاج مصل ودواء لعلاج فيروس "كورونا" حصرياً للولايات المتحدة،
ليس خفياً على أحد أن هناك سباق محتدم بين الصين والولايات المتحدة لاكتشاف مصل وعلاج للمصابين بفيروس "كورونا"،
يمكن القول أن الصين قد اكتسبت تعاطفاً كبيراً على خلفية هذه الأزمة بسبب نجاحها في احتوائها بسرعة وتقديم يد العون لدول العالم الأخرى للخروج من هذه الأزمة،
قناعتي الذاتية أن "كورونا" قد يسهم في إعادة تشكيل النظام العالمي ليس من بوابة الأمصال والعلاجات ولكن من بوابة الاقتصاد، التي تعد الأرباح المتوقعة للأمصال والأدوية المباعة احد مصادرها،
ورغم أن من الصعب بناء توقعات جدية بخصوص الخسائر المحتملة الناجمة عن هذه الأزمة، فإن التعافي من آثارها سيكون له دور كبير في تحديد خريطة أقطاب الاقتصاد العالمي في السنوات والعقود المقبلة