أحد أهم أهداف شن حركة "حماس الإرهابية"، أحد أذرع إيران الميلشياوية، هجومها ضد دولة إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي هو إجهاض مشروع الاتفاق الأمني المزمع بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والذي يتضمن تطبيعاً للعلاقات بين الرياض وتل أبيب، حيث يستشعر الإيرانيون أن توقيع المزيد من اتفاقيات السلام بين العرب وإسرائيل لا يصب في مصلحتهم ويضعهم تلقائياً في عزلة إقليمية ودولية متزايدة.
وبالتالي فإن اجهاض هذه الخطوة أو تأجيلها، يمثل بنظر إيران وحلفائها الاقليميين نجاحاً نوعياً مهماً، فما بالنا وما يتحقق على أرض الواقع على صعيد العلاقات الاقليمية فيما يتعلق بإسرائيل وجيرانها العرب يفوق توقعات طهران بمراحل، حيث لم يقتصر الأمر على إرجاء مشروع تطبيع العلاقات السعودية ـ الإسرائيلية، رغم الجهود الأمريكية المتواصلة التي تبذلها إدارة الرئيس بايدن، التي راهنت ولا تزال على هذا المشروع الذي تعتبره إنجازاً مهماً على صعيد السياسة الخارجية يمكن أن يعزز فرص الرئيس في الفوز بولاية رئاسية ثانية، بل امتد ليشمل بقية الدول العربية التي تمتلك علاقات مع دولة إسرائيل، حتى أن مصر الدولة العربية الأولى التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل قد اضطرت لاتخاذ مواقف وخطوات لم تكن لتقدم عليها لولا استشعار تغيرات عميقة في الموقف الاستراتيجي تملي عليها الاقدام على هذه المواقف والخطوات.
بالتأكيد ليس لإيران دخل قطعياً بما يدور بين مصر وإسرائيل على المستوى الثنائي في الآونة الأخيرة، واللافت أن دولة إسرائيل التي يظهر للبعض أنها تخاطر بعلاقاتها مع حلفائها الغربيين لا تدرك الفوارق بين هؤلاء الحلفاء الذين يمتلكون خطوطا حمر في التعامل معها، في ضوء الواقع السياسي والحزبي والشعبي والتاريخي، الذي يحكم علاقات إسرائيل بالغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة، وبين الدول العربية التي تقيم علاقات سلام معها، حيث للعواصم العربية أيضاً خطوطا حمر في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية، ناهيك عما يتعلق بمصر من اعتبارات تتعلق بأمنها الوطني، فضلاً عن أهمية دور مصر في مرحلة مابعد الحرب وإدارة قطاع غزة وايجاد حلول للقضايا العالقة حول الملف الفلسطيني بشكل عام .
من حسن الطالع أن الدول العربية المعتدلة التي تمتلك علاقات دبلوماسية مع دولة إسرائيل تمتلك من الحكمة والصبر والتريث ما يحول بينها وبين اتخاذ قرارات ومواقف انفعالية، ولكن لا ينبغي على أي حكومة إسرائيلية الرهان على استدامة هذا الصبر أو اعتباره من دون حدود، فلكل دولة حساباتها ورؤيتها ومصالحها الاستراتيجية التي يقدرها قادتها وليس سواهم، وقناعتي أن الخبرات المتراكمة تسهم بشكل كبير في تغليب المصالح الاستراتيجية الدائمة، وتعزز فرص إدارة التوتر بغض النظر عن الخلافات السياسية العابرة، وان حسابات المصالح ستقود دائماً إلى القرار الأصوب والأكثر عقلانية، ولكن كل هذه الاعتبارات يجب أن تكون لدى الطرفين وليس لدى الطرف العربي فقط.
الصراع في الشرق الأوسط في مدلوله الشامل هو صراع استراتيجي بين إيران وإسرائيل، وإذا كان مراقبون كثر في الغرب يعتبرون حرب غزة هي صراع بين ما يسمى بمحور "المقاومة" بقيادة إيران، وإسرائيل، فإن تمدد تأثير الصراع بين إسرائيل و"حماس الإرهابية" وتحوله إلى صدام أو حتى توترات بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة يتماهى مع هدف إيران تقويض أي محاولات لتحقيق السلام والتعايش بين إسرائيل وجيرانها العرب والابقاء عليها دولة معزولة إقليمياً، ناهيك عن أن حرب غزة قد دفعت باتجاه أمر أكثر خطورة وهو عودة خطاب التحريض واللغة العدائية بين الكثير من الشعوب العربية وإسرائيل، وهذا كله يحتاج من أي حكومة إسرائيلية إلى تدقيق في سياساتها وقراراتها لمراعاة الكلفة الاستراتيجية عليها وعلى جيرانها العرب أيضاً.