لم أصدق عيناي وأنا اقرأ تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس الايراني حسين روحاني للشؤون الدينية والاقليات، والتي تناقلتها العديد من وسائل الإعلام، وقال فيها أن إيران عادت إلى وضع الامبراطورية كما كانت طوال تاريخها، مضيفا أن بغداد باتت عاصمة لهذه الامبراطوية!!!.
للوهلة الأولى، اعتبرت أن هذا الكلام ينطوي على تحريف أو مبالغة أو ربما سوء فهم لتصريحات المسؤول الايراني التي ذكرها أمام مؤتمر حول الهوية عقد في طهران، إذ لا يعقل أن يعترف مسؤول بهذا المستوى السياسي باحتلال بلاده لدولة عربية عريقة ذات سيادة وتحويل عاصمتها إلى عاصمة لبلاده في عودة سافرة ومشينة للعهود الاستعمارية البغيضة، فمابالنا والأمر لا يقتصر على دولة واحدة بل دولتين او ثلاث وربما أربع دول عربية!!.
ويبدو أنه لا أحد من قادة العالم الذي يصف نفسه بأنها "حر" قد قرأ تصريحات يونسي التي أورد فيها نصا "العراق ليس جزء من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل." وزعم يونسي أن بلاده تدافع عن شعوب المنطقة ضد "التطرف الإسلامي والإلحاد والعثمانية الجديدة والوهابية" على حد تعبيره.
هكذا تخرج إيران على العالم علنا وتعلن احتلال دولة كبرى عريقة مثل العراق وابتلاعها حتى قبل أن توقع الاتفاق المزمع حول برنامجها النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية!! ما يثير تساؤلات مشروعة وجوهرية حول خطط إيران التوسعية في مرحلة مابعد هذا الاتفاق الذي يتوقع أن يغير وجه منطقة الشرق الأوسط إذا استمرت معطيات المعادلة تمضي بهذه الوتيرة السافرة؟.
يبدو أن الجانب الأمريكي لم يعد يكترث بمسألة التوسع والتوغل الاقليمي الايراني ولا يعير اهتماما للمخاوف الاستراتيجية التي يثيرها حلفائه العرب في الشرق الأوسط، مكتفيا بترديد التصريحات الجوفاء حول التزام واشنطن بأمن الحلفاء و...و... وغير ذلك من رسائل طمأنة معاكسة تماما لما يحدث على أرض الواقع.
لا أحد يستطيع ان يدعي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تفاجئت بما يحدث في العراق، فالعراق خاضع للرقابة الأمريكية منذ الغزو العسكري في عام 2003، والصحف الأمريكية تتحدث ليل نهار عن الاحتلال الايراني للعراق، والأمر في مجمله ليس سراً، ولكن الإدارة الامريكية لا تحرك ساكنا ولا تلقي لهذا الحديث بالاً، وكأنها قررت أن تأخذ بنصائح بعض المستشارين الامريكيين من أصول إيرانية ممن يرون أن التحالف مع الاسلام الشيعي هو السبيل الأمثل للقضاء على خطر التنظيمات الاسلامية السنية.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تحدثت يوم الاربعاء الماضي عن احتلال فيلق القدس الذراع الخارجي التابع للحرس الثوري الايراني للعراق، وقالت الصحيفة أن الميلشيات الشيعية هي اللاعب الرئيسي في العراق. واعتبرت الصحيفة أن وجود الميلشيات الايرانية في الحرب التي يشنها الجيش العراقي ضد تنظيم داعش يعود بالاساس لغياب أي دور أمريكي أو عربي في المواجهات الارضية ضد تنظيم داعش.
ووربما ينطوي كلام الصحيفة الأمريكية على تحليل صحيح، فالموضوعية تقتضي القول بأن اللوم لا يوجه فقط للادارة الامريكية، بل هو بالاساس موجه إلى الجانب العربي الذي ترك العراق ساحة فارغة تلهو فيها إيران منذ سقوط صدام حسين، منشغلا بملفات اقليمية عدة، حيث كان يفترض ألا تشغل هذه الملفات، رغم أهميتها الاستراتيجية الفائقة، العرب عن العراق!!.
الآن، نحن والعالم أجمع أمام حقيقة جديدة، وهي ابتلاع إيران لدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى!! فهاهي تعترف بابتلاع العراق في ظل صمت اقليمي ودولي مريب، وغدا ربما تعترف بابتلاع دولة أخرى وهكذا حتى تصل إلى تطبيق رؤيتها التوسعية لمفهوم الامبراطورية الفارسية التاريخية!!.
أحد جوانب الخطر فيما يحدث حاليا على الصعيد الاقليمي يتمثل في احتمالية تفكك التحالف الدولي ضد تنظيم داعش كما قال بذلك رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، فقد يتفكك هذا التحالف بسبب الدور الايراني المشبوه فيه، إذ لا يعقل ان يكافح التحالف تنظيم داعش ثم يفاجىء بأن نتائج جهوده قد التهمتها إيران وأنها انتزعت أو منحت لنفسها العراق كجائزة استراتيجية لدورها في هذه الحرب! فهل يفيق العرب قبل أن يعلن يونسي ضم دولة عربية أخرى إلى الامبراطورية الايرانية العائدة من صفحات التاريخ؟.
شؤون إيرانية
عاصمة إيران الجديدة!!!
- الزيارات: 1244