النفوذ الإيراني خرج في الآونة الأخيرة من دائرته 'النخبوية' الضيقة، إلى مرحلة الانتشار والتوسع بحيث انتشرت القنوات الفضائية الطائفية الموالية لإيران.
ليس سراً القول بأن المال السياسي الإيراني قد نجح في بناء آلة إعلامية موالية ومدافعة عن المصالح الإيرانية في العديد من دول المنطقة والعالم خلال السنوات الماضية، كما أن التعرف إلى “تروس” هذه الآلة العنكبوتية ليس صعباً كما يتخيل البعض، فكل من يعمل في حقل الإعلام والدراسات السياسية والإستراتيجية يعرف أبعاد هذا الموضوع وتفاصيله، بل إن النفوذ الإيراني قد خرج في الآونة الأخيرة من دائرته “النخبوية” الضيقة، إلى مرحلة التوسع بحيث انتشرت القنوات الفضائية الطائفية الموالية لإيران.
هذا اللوبي الإيراني الذي يضم طيفا غير قليل من العاملين في مجال الإعلام في العالم العربي، لم يعد يقتصر على أسماء بعينها كان يستخدمها للدفاع عن إيران والدفع باتجاه تحقيق هذه المصالح بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد انخرط هذه اللوبي مؤخراً، وبنشاط مكثف، في حملة معادية للمملكة العربية السعودية استهدفت تشويه صورتها عبر إلصاق العديد من الاتهامات بها على خلفية الأحداث التي وقعت خلال موسم الحج.
التوظيف السياسي لأحداث التدافع كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، فالإعلام الإيراني، الداخلي الرسمي والخارجي الموالي، بادر منذ الدقائق الأولى للإعلان عن حادثة التدافع إلى توجيه أصابع الاتهام إلى المسؤولين السعوديين بالتقصير والفشل وغير ذلك من مفردات قائمة اتهامات متكررة ومعروفة، وقلت وقتذاك في أحد مقالاتي أن هذه الحملة الإيرانية المغرضة لها أبعاد سياسية عدة، أحدها يتمثل في الضغط على السعودية من أجل وقف حملتها العسكرية في اليمن.
ربما اعتبر البعض أن تحليلي كان قائما على الظن أو نظرية المؤامرة أو الترويج لوجهة نظر معينة، ولكن المتابع للتسلسل التاريخي للأداء السياسي الإيراني حيال دول مجلس التعاون يدرك بسهولة، أن حيل طهران السياسية لا تخرج عن نطاق المألوف ولا تترك مجالا لمثلي أن يبتكر رؤى تحليلية جديدة، فهي الحيل ذاتها تتكرر ولا جديد فيها، فعادة ودائما ما تلجأ إيران إلى إشغال خصومها بمعارك جانبية وحروب بالوكالة وفتن ومؤامرات داخلية كي تستطيع تنفيذ أغراضها وتحقيق مصالحها نفاذاً مما تنتجه الأزمات من ثغرات وتشققات وتصدعات في صفوف الدول وجبهاتها الداخلية.
ربما لم ينجح الإعلام الإيراني في حملة الإساءة إلى السعودية وجاءت نتائج التوظيف السياسي لأحداث التدافع خلال موسم الحج بنتائج قاصرة، فاتجه التفكير إلى ضغوط من نوع آخر عبر إثارة الشكوك الإعلامية في مستقبل الاقتصاد السعودي وترديد عناوين صاخبة من مثل “قرب انهيار الاقتصاد السعودي” و”الاقتصاد السعودي على حافة الهاوية” وغير ذلك من صخب دعائي تدعمه تصريحات بعض العناصر الإعلامية الموالية للتنظيمات والجماعات المتشددة، فضلا عن أشخاص معروفين بعدائهم الفكري الشخصي للمملكة.
نقطة اهتمامي في هذا الملف الشائك هي الإعلام الناطق بالعربية الذي يدافع عن مصالح إيران في المنطقة، فهذا هو ما ينبغي الانتباه له، حيث استرعى انتباهي أن إيران تغذي بعض التباينات العربية-العربية، وتوقظ بعض الخلافات العربية التاريخية، وتضخم بعض الصور النمطية المشوهة لدى عرب ضد عرب الخليج العربي تحديداً، ثم تقوم بإطلاق هذه الطاقات من أجل عزل دول مجلس التعاون عن محيطها العربي، وتشويه صورتها تمهيداً للانفراد بهذه الدول وضمان عدم حصولها على تعاطف شعبي من أشقائها العرب، الذين يمثلون الحاضنة الإستراتيجية الطبيعية لشعوب دول مجلس التعاون ودوله.
هذا الهجوم قد بلغ ذروته أيضا خلال أزمة اللاجئين السوريين، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام العربية حملات كراهية مناوئة ومعادية لدول مجلس التعاون، واتهامها بعدم قبول اللاجئين. ومن يدرك الحقيقة يوقن بأن هذه الدول لا تستقبل لاجئين من أي دولة، ولكنها تستقبل مئات الآلاف من العمالة والأسر السورية والعراقية وغيرها قبل الأزمة الأخيرة وبعدها، ناهيك عما تبذله هذه الدول وتقدمه من مساعدات إنسانية وإغاثية للاجئين السوريين على حدود الدول المجاورة.
ربما كانت جهود دول مجلس التعاون على الصعيد الإنساني لا تحظي تسويق إعلامي كاف للرد على هذه الحملات المغرضة، ولكن هذا التقصير يستحق المعالجة ولو لنشر الحقيقة ودرء المؤامرات والحملات الإعلامية المغرضة. واعتقد أن الفترة المقبلة قد تشهد المزيد من حملات الدعاية المضادة لدول مجلس التعاون، وهي حملات مدعومة من إيران وتنظيمات إرهابية معروفة، الأمر الذي يستحق مزيدا من الانتباه لأذرع اللوبي الإعلامي الإيراني وخلاياه النائمة في مجال الإعلام، فاليوم نتابع تقارير مشبوهة عن مستقبل الاقتصاد السعودي بغرض تأليب الرأي العام وتخويفه وتحريضه للضغط على القيادة السياسية للانسحاب من اليمن، وغداً قد نقرأ تقارير إعلامية مخيفة عن اقتصادات خليجية أخرى، وهكذا دواليك، والهدف معروف في جميع الأحوال.