لا أجد في قاموس المفردات والمعاني أفضل من كلمة "البلطجة" لوصف مزاعم نظام الملالي في إيران بشأن ملكية جزيرتين إمارايتين وفقاً لكل الأسانيد القانونية والتاريخية منذ تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971.
هناك تفسيرات عدة متداولة لهذا السلوك الايراني البائس أولها وجهة نظر لا أميل لها شخصياً، وتقول بأن تداول المزاعم الايرانية بشأن الجزيرتين الاماراتيتين في التوقيت الراهن هو انعكاس لصراع إيراني داخلي حول العلاقة مع دول مجلس التعاون، وتحديداً بين الرئيس حسن روحاني وجناح الحرس الثوري والمؤيدين له من رجال الدين المتشددين، حيث يلاحظ أن فتح ملف الجزيرتين والحديث عنهما قد تم من قبل والآن، من خلال برلمانيين معروفين بقربهم من قادة الحرس الثوري. فالمزاعم الأخيرة حول الجزيرتين الاماراتيتين ليست الأولى من نوعها، فالعام الماضي ردد هذه المزاعم أيضاً منصور حقيقت بور، وهو شخصية برلمانية مقربة من قادة الحرس الثوري ومحسوبة على تيار القوميين الايرانيين المعادين للعرب. وسبق له الزعم بأن (دول الخليج العربية عليها أن تعلم أن الامارات تحتل جزيرتي "آريان" و"زركوه" وعندما نحن نصمت على احتلال دولة الإمارات لهاتين الجزيرتين، فلا يعني هذا أن تستمر هذه الدول بالتطاول على إيران). وقال النائب الإيراني في تصريحات لوكالة أنباء "ميزان" الإيرانية، إن "دول الخليج التي تدافع عن عائدية الجزر الثلاث للإمارات، عليها أن تعلم أن الإمارات تحتل جزيرتين إيرانيتين وهما “جزيرة آريانا، وجزيرة زر كوه." كما طالب حقيقت بور الرئيس روحاني بالتخلي عن السياسة التصالحية تجاه السعودية، واللجوء إلى سياسة وصفها بالهجومية ضدها، رافضاً اي مصالحة إقليمية. ربما يكون هذا هو أحد محركات هذه المزاعم، أي محاولة تفخيخ علاقات الرئيس روحاني بدول مجلس التعاون، ونسف أي محاولات لتقريب وجهات النظر، وهذا الأمر يتبناه بقوة الحرس الثوري الايراني والمتشددون الايرانيين، الذين يرفضون تحركات روحاني الأخيرة حيال دول مجلس التعاون، رغم أن روحاني لم يطرح سوى مناورات جديدة ولم يحقق أي اختراق يذكر في العلاقات بين الجانبين، ولا اعتقد أنه يجرؤ على تحقيق ذلك، بل إن صلاحياته الرئاسية لا تخول له في واقع الأمر تحقيق مصالحة إيرانية ـ خليجيةـ لأن الأمر في النهاية بيد المرشد الأعلى الذي تحول إلى ألعوبة بيد الحرس الثوري بعد التمدد الأخير الذي حققه الحرس في العراق وسوريا!!
هناك وجهة نظر أخرى في تفسير العبث الايراني، تنطلق من أن تولي الرئيس دونالد ترامب الحكم في الولايات المتحدة، وما سبقه من بناء شراكة استراتييجية جديدة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون، فإن الملالي يخشون بالفعل التعرض لمزيد من الضغوط الدولية، بل يتحسبون لضربة عسكرية قد تنفذ إسرائيلياً بضوء أخضر "ترامبي"، أو على الأقل العودة لمربح الحصار والعزلة الدولية والاقليمية. وإذا أضفنا إلى ماسبق أن الملالي يشعرون أيضا بالقلق إزاء تنامي المطالبات الاماراتية باستعادة الجزر الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، فإن من الممكن فهم هذه المزاعم في إطار محاولة لفت الانتباه من أجل محاولة التهرب من استحقاق الجزر الثلاث التي تحتلها إيران، بمعنى افتعال قضية مزعومة وتصديرها للساحة الإعلامية والسياسية الدولية كورقة ضغط مضادة للتفاوض حولها طمعاً في التوصل إلى صيغة تفاهم مرضية لإيران حول الجزر الاماراتية الثلاث التي تحتلها، ومايعزز قناعة إيران بهذه الاستراتيجية أن ادعاءاتها الجديدة، وربما ظن الملالي أن ترديد اسم جزيرة "زاركوه" بما لها من اهمية اقتصادية استراتيجية للاقتصاد الاماراتي، بحكم كونها تحتضن ثاني اكبر حقل نفط بحري خليجي والرابع عالمياً، سيكون كفيل بتراجع الامارات عن المطالبة جزرها الثلاث المحتلة؛ أي أننا بصدد مناورة سياسية للافلات من استحقاق تفرضه القوانين والوثائق، وهروب للامام بعقلية متهالكة لا تقدر عواقب تصرفاتها وسلوكياتها الصبيانية.
المؤكد في ذلك كله، أن آخر مايرغب فيه الملالي هو تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي، فنظامهم يقتات على الفوضى ويعيش على الأزمات، ومن المستحيل أن يعمل على تنقية الأجواء اقليمياً كما يظن البعض من أصحاب النوايا الحسنة في منطقتنا، وهذا التنشويش وخلط الأوراق ومحاولة التملص من الاستحقاقات عبر محاولات فاشلة لن يحقق للملالي سوى المزيد من العزلة الاقليمية، فالنظام الايراني البائس فشل تماماً في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل مع أي دولة مجاورة، حتى أنه اصطدم بتركيا، التي كان يحتفظ معها بعلاقات مصالح، سرعان ما انهارت أمام تغول جنرالات الحرس الثوري وافتئاتهم على مصالح تركيا الاستراتيجية في سوريا!
الملالي يحفرون قبرهم بأيديهم وغداً سيقدمهم الكرملين قرباناً لإعادة ترتيب المصالح مع إدارة ترامب، ولن يكون لهم بعد ذلك حليفاً، والأرجح أن مثل هذه الأنظمة التي تنتمي إلى الماضي لن تفلح في الاستمرار لأن مجرد وجودها وبقائها مناف لحقائق الزمن وكل مايدور من حولنا، فهم نظام يمارس البلطجة الاقليمية وينفقون أموالهم ببذج على الميلشيات والحشود المذهبية لنشر الفتن والاضطرابات في وقت يعاني فيه ملايين الشباب الإيراني ويلات البطالة والمرض والفساد والفقر والمخدرات .. ألخ من الآفات حتى الهواء في مدن إيران لم يعد صالحاً للاستنشاق بسبب السياسات المدمرة لهذا النظام الفاشل.
على الملالي أن يدركوا أن الاحتلال لا يمكن التعتيم عليه بمزاعم من هذا النوع، وإذا كان سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، قد حذر عبر منصة الأمم المتحدة خلال كلمته أمام الدورة ألـ 71 للجمعية العامة للمنظمة الدولية أن إيران لا تزال تدفع المنطقة إلى شفا مصائب جديدة، فهاهي تثبت أنها عند ظننا بها تماماً، وأنها جديرة بكل تقدير مفرط في السلبية لتصرفاتها العدوانية وعدم تقديرها لعواقب الأمور.
وأخيراً، رسالتي إلى جنرالات الحرس الثوري: افيقوا من غيكم وانتبهوا لما تفعلون واحذروا ثم احذروا من عواقب طيشكم واستعلائكم الفارسي!.