ينص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية (فقرة 1) على “تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”، كما ينص في مادته الأولى (الفقرة الثانية) على “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام”، وهناك الكثير من القواعد والنصوص في القوانين الدولية، الناظمة للعلاقات بين الدول، التي ترتكز على مبادىء أساسية منها المساواة وحسن الجوار والاحترام المتبادل، وهي في مجملها جزءاً لا يتجزأ من ضمانات استقرار العلاقات الدولية وتطورها الايجابي.
ورغم ماسبق، فإن إيران تنظر إلى هذه المبادىء بشكل مثير للاستغراب، فهي تتذكر هذه القواعد والقوانين جيداً حين يتعلق الأمر بسيادتها الوطنية، وجميعنا يذكر مواقف طهران وردود أفعالها العنيفة في مواجهة العديد من التصريحات والمواقف السياسية الغربية حيال بعض الأحداث الداخلية في إيران، ولكنها تتعامى عنها تماماً حين يتعلق الأمر بجيرانها!
لا يكف نظام الملالي عن التدخل في شؤون مملكة البحرين الداخلية، وكل مرة يجد حججاً واهية لهذا التدخل غير المشروع، ومؤخراً تابعنا تصريحات إيرانية تتدخل بشكل فج في أحكام القضاء البحريني، وهذه بحد ذاتها، أعجوبة، ليس فقط لكونها اختراق للمواثيق والقوانين الدولية، ولكن لأنها تبدو مثيرة للسخرية، فالنقد هذه المرة يأتي من نظام يتربع على عرش انتهاكات حقوق الانسان في العالم، إذ تؤكد تقارير المنظمات الدولية المعنية بهذا الملف أن “حالة حقوق الانسان في إيران صارخة”، وتقول أن نظام الملالي يعتمد في تحقيق الاستقرار على “القمع والاعدامات وتصدير التطرف والارهاب واثارة الفتن والحروب خارج حدوده”، فهكذا يشير تقرير “هيومان رايتس ووتش” إلى أوضاع حقوق الانسان في إيران عام 2016.
قناعتي الشخصية أنه لا يحق لنظام أمر مرشده الأول (الخميني) بإعدام 30 الف معارض ينتمون في معظمهم إلى “مجاهدي خلق” عام 1988، لا يصح لمثل هذا النظام أن يزعم الدفاع عن حقوق الانسان في بلد آخر مهما كانت الأسباب، فما بالنا وهو يتحدث عن دولة لم يعرف عنها الميل للعنف ولا الميل لتصفية الحسابات مع المعارضة جسدياً كما يفعل النظام الايراني!
واعتقد أن تجاهل العالم والمنظمات الدولية لجرائم النظام الايراني، لأسباب واعتبارات ومصالح استراتيجية ليس هذا مجال مناقشتها، هذا التجاهل قد تسبب في تمادي الملالي في جرائمهم وسلوكياتهم التي لا تتماشى مع القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، إلى أن وصلت بهم الوقاحة إلى ادعاء الشرف ومحاولة تزييف وعي الشعوب!
بل إن الغريب أن نجد واحداً من أبرز مرشحي الرئاسة الحاليين في إيران، وهو إبراهيم رئيسي، كان أحد الفاعلين المؤثرين في قرارات ما يعرف بـ “لجنة الموت الثلاثية” التي تشكلت لمحاكمة معارضي النظام الايراني في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين!
سجلات نظام الملالي تشير إلى إعدم نحو 120 ألأف من معارضي النظام منذ قيام ثورة الخميني عام 1979، ومن بين هؤلاء ثلاثة آلاف معارض تم إعدامهم خلال ولاية الرئيس الحالي “المعتدل” بحسب توصيف بعض الواهمين، أي بمعدل حالتي إعدام يومياً ينفذها نظام يقدم نفسه للعالم باعتباره المدافع عن الحريات وحقوق الانسان في مملكة البحرين!!
هل تعرفون ماذا يطلق على إيران في سجلات منظمات حقوق الانسان؟ الجواب أنه يشار لها برائدة عمليات الاعدام في الشرق الأوسط، والأمر ليس بخاف على الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي سبق لها التندير أكثر من مرة بانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها الملالي أو يأمرون بتنفيذها، ولاسيما الاستخدام المتزايد لعقوبة الاعدام، وهناك أكثر من 60 قرار إدانة أممي لسجل حقوق الانسان في إيران.
غابت حمرة الخجل عن نظام الملالي واعتقد أننا لسنا غافلون عن جرائمه في حق شعبه ومواطنيه، ولكننا نعمل وفق مبدأ احترام السيادة، ولا نريد التدخل في شؤون الدول الأخرى، ونحترم مبادىء وميثاق الأمم المتحدة، وبما إن الكيل قد فاض من تدخلات النظام الايراني في البحرين، نجد لزاما علينا الإِشارة إلى بعض جرائم الملالي في حق شعبهم، ليس من أجل التدخل ولكن من باب فضح هذه “الشيزوفيرينا” السياسية، التي تدفع “المجرم” لارتداء ثوب الفضيلة والزعم بأنه حامي حقوق الآخرين!