يشير التاريخ الإيراني القريب إلى دور حيوي للاقتصاد في تحديد هوية من يحكم هذا البلد، فالاقتصاد كان أحد أهم أسباب سقوط نظام الشاه، حيث كان، بجانب الفساد، سبباً مباشراً في غضب الشعب الإيراني، وهذان العاملان هما أيضاً السبب وراء موجة الاحتجاجات والتظاهرات ضد نظام الملالي مؤخراً.
الإعلام الإيراني المؤدلج ظل لسنوات برسم صورة وردية لإيران مابعد الاتفاق النووي، حيث توقع ملايين الإيرانيين أن يشهد اقتصاد البلاد انطلاقة جديدة عقب توقيع الاتفاق، ولعل الجميع يتذكر كيف كانت الصحافة الإيرانية تعدد النتائج الاقتصادية المتوقعة لتنفيذ الاتفاق النووي، وحجم الاستثمارات الخارجية التي كان يتوقع أن تتدفق لتنعش الاقتصاد وتسري في شرايينه بعد سنوات وعقود من العزلة والعقوبات والحصار الاقتصادي بسبب سياسات النظام وتحديه للشرعية الدولية.
كانت التوقعات تشير إلى استثمارات أجنبية سنوية بمعدلات تفوق 50 مليار دولار، في حين لم يضخ في الاقتصاد الإيراني من هذه التوقعات أي نسبة تذكر، ومؤشرات النمو التي طرأت على الاقتصاد ليست سوى نتاج زيادة مبيعات النفط والغاز التي تذهب عائداتها لتمويل خطط الحرس الثوري التأمرية في العراق وسوريا ودول المنطقة والعالم!.
إيران التي يرحل عنها شبابها بمعدلات عالية تبلغ نحو 16 ألف شباب سنوياً يغادرون إلى دول أخرى يحققون فيها أحلامهم وطموحاتهم، يصعب أن تكون وطناً للمستقبل، هكذا يتوصل أي باحث محايد للحالة الإيرانية المستعصية في ظل هذا النظام البائس.
قناعتي الشخصية أن أحلام النظام الإيراني وطموحاته ستقود إلى الفناء والهلاك الذاتي، فالملالي يصرون على المضي في سياستهم التوسعية التي بدا واضحاً خلال التظاهرات حجم الرفض الشعبي الهائل لها، ولكنهم لا يسمعون ولا ينصتون لصوت الشارع، ويصرون على أن إخماد هذا الصوت إشارة خضراء للمضي في مشروعهم التوسعي، وهذا الأمر ليس صحيحاً فالتظاهرات قد كسرت جدار الخوف وحطمت كل ما يحيط بالمرشد والملالي من «تابوهات» كانوا يتحصنون ورائها، وباتت الأجيال الجديدة في إيران أكثر وعياً وجرأة في مواجهة هذا النظام، ولكن اكتمال حلقات الحصار الشعبي حوله ربما يتطلب مزيداً من الوقت لا مزيد من الشجاعة، فقد أثبتت الموجة الاحتجاجية الأخيرة ان لدى الشباب الإيرانيين مخزوناً وافراً من الشجاعة لنهم خرجوا في مواجهة آلة القمع الشرسة من دون أي غطاء أو حماية دولية كان يفترض أن تضمن لهم سقفاً معيناً من عنف النظام.
يقول علي أكبر ولايتي، وهو مستشار بارز لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي إن قيادة البلاد لا تعتزم تقليص نفوذها في الشرق الأوسط رغم الضغوط الأمريكية، بحسب ما نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية، وأكد ولايتي أن «نفوذ إيران في المنطقة حتمي، ولكي تستمر إيران في لعب دور إقليمي رئيسي، فإن هذا النظام لابد وأن يستمر»!
ثم يمضي لولايتي في ترديد الادعاء القائل بأن بلاده «لا تعتزم التخلي عن الدول المضطهدة بالمنطقة» ويضيف، «وجودنا في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان يأتي بالتنسيق وبرغبة من حكومات هذه البلدان»!.
لا ندري أي حكومات يقصد ولايتي، فإن كان النظام السوري قد استدعى الحرس الثوري لمساعدته في مواجهة الإرهاب، فإن الحكومتين اللبنانية والفلسطينية ترفضان بشكل معلن أي وجود إيراني، بينما يصعب القطع بأن الوجود الإيراني في العراق بات يحظى بموافقة الحكومة العراقية!.
يتهم ولايتي الشعب الإيراني بالجهل ويقول تعليقاً على مطالب المتظاهرين بعدم التدخل في الخارج والتركيز على الداخل الإيراني، ويقول إن هذه الهتافات تظهر «عدم فهم للسياسة الدولية، فليس بوسعك التجاهل والنيران مشتعلة ببيت جارك»!.. هل يعقل أن يتهم سياسي شعبه بالجهل حين يطالب بلقمة الخبر وفرصة العمل ويرفع أصبعه مشيراً إلى جوانب الفساد ودروبه!! ثم أي نيران تلك التي يتحدث عنها ولايتي متناسياً أن بلاده هي السبب الرئيسي في إشعال نيران لا تقل خطراً ودماراً عن الإرهاب، وهي نار الفتنة المذهبية وسيناريوهات التفكيك والتقسيم والتطهير العراقي لمناطق المسلمين السنة!.
الملالي يتمسكون بأحلامهم كما هو واضح، وهذا الأمر يحمل في طياته عوامل دمار هذا النظام وهلاكه وفنائه، فالاقتصاد الإيراني الذي يتعرض لأزمات طاحنة لن يوفر لهم الوقود الكافي لمواصلة رحلتهم وسيكون عامل الحسم في القضاء على نظامهم وأحلامهم.