مؤخراً، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، التوصل إلى اتفاق حول سحب القوات الإيرانية من مناطق جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع إسرائيل، وتوقع تطبيقه خلال أيام قريبة، ما يثير تساؤلاً مهماً حول دلالات هذا الاتفاق وما يعنيه بالنسبة للوجود والدور الايراني في سوريا.
من المعروف أن وجود ميلشيات الحرس الثوري الايراني في الجنوب السوري كانت يمثل أحد أبرز شواغل الأمن الاسرائيلي طيلة الأسابيع الفائتة، ولاشك أنها كانت أحد محاور النقاش الرئيسية ضمن محادثات المسؤولين الاسرائيليين مع قادة الدول المعنية بالأزمة السورية، وفي مقدمتها روسيا، حيث يتوقع أن هذا الموضوع قد طرح للنقاش خلال زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومحادثاته مع الرئيس بوتين مؤخراً في روسيا.
يلفت الانتباه أنه مع تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر يونيو، جاء الاعلان عن التوصل إلى اتفاق مع إيران وإسرائيل بخصوص سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سوريا، وهذا أمر له دلالاته المهمة، التي يجب الوقوف عندها ملياً. وهناك تقارير إعلامية اسرائيلية أكدت أن حكومة نتنياهو وافقت على نشر القوات السورية عند المنطقة الحدودية جنوب سوريا بمجرد سحب الميلشيات الإيرانية منها، وذكرت التقارير أن وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قام يوم الخميس الماضي، بزيارة إلى روسيا، والتقى نظيره الروسي، سيرغي شويغولمناقشة تفاصيل هذا الموضوع، بينما أكد سفير إسرائيل لدى موسكو، هاري كورين، في حديث لوكالة «تاس»، أن إسرائيل «راضية» من موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السوري، ما يعني ضمناً أن إسرائيل حققت ما سعت إليه خلال محادثاته مع الجانب الروسي، باعتباره القوة الأكثر تأثيراً في سوريا، وأن الكرملين قد تفهم وجهة نظر إسرائيل وسعى إلى طمأنتها عبر الضغط على إيران لسحب ميلشياتها من الجنوب السوري، وكذلك فعل مع نظام الأسد لإرسال قواته لتحل محل الميلشيات الايرانية.
الموضوعية تقتضي القول أيضاً إن روسيا لم تتصرف بناء على ضغوط أو إملاءات إسرائيلية، لسبب بسيط هو أن اتفاقات خفض التوتر التي وقعت عام 2017 بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، تنص على انسحاب جميع القوات الأجنبية من منطقة خفض التوتر، التي يعد الجنوب السوري أحدها، وبالتالي فإن ما فعلته روسيا هو تنفيذ ما تم الالتزام به وانهاء التجاوزات الايرانية في سوريا.
الحقيقة أيضاً أن روسيا تدرك أن تكريس مصالحها في سوريا ربما يحتاج إلى تهدئة مخاوف بعض الأطراف ومنها إسرائيل، فمن غير المنطقي أن تعمل روسيا على دعم أطماع إيران في سوريا على حساب مصالح روسيا الاستراتيجية في هذا البلد، فضلاً عن المجازفة بعلاقات روسيا مع إسرائيل، التي يمكن أن تنسف ماتبقى من فرص للحوار بين روسيا والولايات المتحدة في ظل تفاقم الخلافات والتوترات بين البلدين.
لا يمكن في المقابل القطع بأن روسيا قد ضحت بإيران في سوريا على خلفية هذا الاتفاق، فما يحدث على أرض الواقع في الجنوب السوري هو تجاوز إيراني لحدود الدور المسموح به للملالي في سوريا، لذا فإن روسيا تعيد التذكير بهذا الدور، من أجل طمأنة إسرائيل، واعتقد، شخصياً، أن الملالي لن يرفضوا أي طلبات روسية تتعلق بتمركزهم في سوريا لسبب بسيط هو أن هناك مطلب دولي قيد التشكل بضرورة انسحاب الميلشيات الايرانية من سوريا، كي يمكن استعادة السلام في هذا البلد العربي العريق، وبالتالي فإن ملالي إيران يحاولون تبريد أي مخاوف روسية تحديداً من أجل ضمان استمرار الشراكة مع روسيا في الملف السوري، علماً بأن مجمل الشواهد تؤكد أن روسيا تلعب ورقة إيران من أجل انتزاع تنازلات ومصالح وتضغط بها في مواجهة الولايات المتحدة، وقد تضحي بها تماماً لو حدث تفاهم واتفاق حول تقاسم المصالح في سوريا خلال القمة المرتقبة بين الرئيسين بوتين وترامب.
صحيح أن روسيا لا تزال بحاجة إلى استمرار وجود الميلشيات الايرانية في سوريا دعماً لسيطرة نظام الأسد على المناطق المحررة، ولكن هذا الوجود غير قابل للاستمرار على المدى المتوسط، وهو مايتحسب له النظام الايراني ويلجأ لمبدأ «التقيه» ويبتلع أي مطالب إيرانية بخصوص إعادة الانتشار والتمركز في مناطق سوريا ويغض الطرف عما يعلن من اتفاقات وتفاهمات تبدو على حساب ما تزعمه إيران من دور في سوريا.
ربما، بل من المؤكد، أن نظام الملالي غاضب من الموقف الروسي، ولكن ليس هناك من خيارات أمام هذا النظام في ظل الظروف الراهنة، سوى التظاهر بالرضا والتوافق مع المطلب الروسي، وأي مطلب روسي قادم، حتى لا يخسر دعم موسكو في مواجهة ضغوط أمريكية لا يعرف مداها حتى الآن.