بات من الواضح أن نظام الملالي في إيران يراهن بشكل تام على من يصفهم بعقلاء الولايات المتحدة في كبح جماح الحرب، والحد من التصعيد والتوترات التي تسبب فيها خلال الأسابيع الأخيرة.
يركز الخطاب السياسي الإيراني في المرحلة الراهنة، ولا سيما ما يوجه إلى الرأي العام الأمريكي، على أن هناك مسؤولين داخل إدارة الرئيس ترمب يدفعون باتجاه الحرب، وأن إيران «ضحية» لاستهداف هؤلاء، في لعبة مزدوجة تقوم على تصدير الشعارات والجوفاء والمزاعم الواهية لاتباع النظام في الداخل وعلى المستوى الإقليمي، والتدثر برداء «المظلومية» في الحديث إلى الغرب بشكل عام والشعب الأمريكي بشكل خاص.
الحقيقة أن التوترات الراهنة هي من صنع النظام الإيراني نفسه، فمن أصدر الأوامر بالاعتداء على سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات، واستهداف منشآت النفط السعودية هم قادة الحرس الثوري وليس قادة الجيش الأمريكي، ومع ذلك يدعي النظام الإيراني أن إرسال قوات أمريكية إلى المنطقة «مسألة خطيرة للغاية وتهديد للأمن والسلم الدوليين ويجب مواجهته» كما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف!
الحقيقة أن مثل هذه التناقضات لم تعد تنطلي على أحد، فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن تعزيز القوات الأمريكية في الخليج لحماية مصالح الولايات المتحدة تهديد خطير للأمن العالمي في حين أن استهداف ناقلات ومنشآت النفط والسفن التجارية هو فعل يدعم الأمن والاستقرار الدوليين!
لا يمكن للنظام الإيراني أيضا أن يقنع عاقلا بأن إرسال 1500 جندي أمريكي إضافي للمنطقة هو إجراء ينذر بالحرب، في حين تتوالى التقارير التي تتحدث عن تعزيزات صاروخية بحرية وتدفقات كبيرة من العتاد الإيراني الذي يرسل للميليشيات، ولا يعتبر ذلك إشارة لسوء نوايا النظام
الإيراني!
ألا تعتبر تهديدات الجنرال مرتضى قرباني مستشار القيادة العسكرية الإيرانية وتصريحاته لوكالة أنباء إيرانية محلية التي قال فيها إن «بوسع إيران أن تلقي بسفن أمريكا الحربية إلى قاع البحر بطواقمها وطائراتها باستخدام أسلحة سرية» تهديدا خطيرا للأمن والسلم؟!
العالم كله يدرك أن الحديث عن أسلحة سرية إيرانية وغير ذلك هو نوع من الحرب النفسية التي عفا عليها الزمن، فهي تكتيك قديم لم يعد ينطلي على أحد في وقت لم يعد فيه بالإمكان إخفاء أي معلومات حول قدرات عسكرية، ولا سيما من جانب إيران التي سرق الإسرائيليون أرشيفا عسكريا بأكمله من مخبأ سري فيها وتم نقله إلى تل أبيب! فما يمتلكه الملالي من أسلحة وعتاد هو تحت المجهر الأمريكي ويخضع لرصد استخباري دقيق من كل الدول المعنية مثل إسرائيل وروسيا وبعض الدول الأوروبية.
من أصدق ما قاله القادة الإيرانيون هو التعبير عن اعتقادهم بأن «الأمريكيين العقلانيين من القادة العسكريين المتمرسين لن يسمحوا للراديكاليين الأمريكيين ببدء الحرب»، وهذا هو سر الضجيج الإعلامي الإيراني، فالملالي يراهنون على الرئيس ترمب ذاته رغم كل الانتقادات التي يوجهونها له، ولكنهم يدركون أنه قد يكون صمام الأمان الأهم لديهم في المرحلة الراهنة، ولكنهم يخطئون التقدير حين يستبعدون احتمالات أن يكون ترمب ذاته أول المتحمسين للحرب في حال استمر النظام الإيراني في انتهاكاته والإضرار بالمصالح الأمريكية.
وبناء على ذلك، لا يجب على المراقب أن ينصت فقط للخطاب السياسي الإيراني المعلن، فنظام الملالي اعتاد على العمل وراء الكواليس والعلاقات والصفقات السرية مع الولايات المتحدة وغيرها لعقود وسنوات طويلة مضت، ولا يجب أن يراهن أحد على رفضهم للتفاوض مع إدارة ترمب وإعلاء الصوت في هذا الاتجاه، لأن مجرد الرفض يمكن أن يكون بداية للمساومة وطرح الشروط وعقد الصفقات السياسية.