منذ أن اتهم نحو 80 نائباً في مجلس الشورى الإيراني، الرئيس حسن روحاني بمخالفة تعليمات المرشد الأعلى، من خلال إصدار إشارات إيجابية بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، تراجع روحاني وفريقه الدبلوماسي عن مواقفهم السابقة، وتمترسوا مجدداً في خندق التشدد بانتظار تعليمات أخرى من المرشد!
روحاني الذي قال إن بلاده لا تستثني التفاوض، إن كان ذلك يصب في مصلحة البلاد، عاد بعد ساعات ليؤكد أنه لن يكون هناك أي تطور إيجابي في علاقة بلاده مع واشنطن دون رفع العقوبات عن طهران.
التحذيرات التي انهالت على روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف جاءت من مصدرين مباشرين هما مجلس الشورى الإيراني والحرس الثوري، الذي قال على لسان غلام حسين غيب بور كبير مستشاري قائد الحرس ملمحاً إلى زيارة ظريف المفاجئة إلى مقر اجتماعات قادة مجموعة السبع مؤخراً في فرنسا إن "بعض الرحلات الخارجية إلى القمم الأجنبية تكون بدافع اليأس، ونأمل ألا يكون بعض مسؤولينا قد تعرضوا لهزيمة لا سمح الله"، ولم يكتف بذلك بل وجه اتهاماً خطيراً للفريق الدبلوماسي للرئيس روحاني قائلاً "من المؤسف أنه في بعض الأحيان توجد سلوكيات تفوح منها رائحة الخيانة، وعلى الحكومات واجب التعامل مع الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة للناس".
وكان ظريف قد التقى مع الرئيس الفرنسي ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان، وممثلين عن ألمانيا وبريطانيا، ثم سافر في جولة آسيوية تشمل الصين واليابان وماليزيا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل حدث شقاق وخلاف داخل نظام الملالي حول التعامل مع الضغوط الأمريكية، ام أن هذه التصريحات ليست سوى مناورة وتوزيع أدوار يستهدف انتزاع أكبر قدر من المكاسب من الغرب، الذي سيحاول بطبيعة الحال تعزيز موقف جناح الرئيس روحاني في مواجهة التيار الأكثر تشدداً داخل النظام؟
في الواقع الإجابة على هذا السؤال تبدو صعبة، ولا يمكن للوهلة الأولى استبعاد أي من الاحتمالين، ولكن هناك معطيات يمكن أن تعزز فرضية دون الأخرى، أولها أن من غير الممكن أن يقوم وزير الخارجية الإيراني بزيارة إلى فرنسا بموازاة صدور إشارات إيجابية من الرئيس روحاني على التفاوض حول الاتفاق النووي من دون ضوء أخضر صريح لا لبس فيه من المرشد الأعلى علي خامنئي.
ومن يدرك تعقيدات اللعبة السياسية في إيران يتقين من أن جنود الرئيس روحاني ووزير خارجيته إلى التفاوض من دون إرادة المرشد مسألة غير واردة بالمرة، في السلطة المطلقة التي يتمتع بها خامنئي ضمن الدستور الإيراني، وبالتالي فالخروج عن الطاقة وتجاوز الخطوط الحمر غير وارد بالمرة وغير مقنع!
ثمة معطى آخر مهم يشير إلى ان الامر لا يتعلق فقط بزيارة ظريف أو تصريح عابر للرئيس روحاني، فهناك تأكيدات وردت على لسان حاكم البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي يشير فيها إلى أن المفاوضات مستمرة مع باريس في ما يتعلق بنية الأخيرة تقديم خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار مقابل رهن النفط الإيراني، وردا على سؤال بشأن الخطة الفرنسية لتقديم خط ائتمان مقابل رهن النفط الإيراني في إطار آلية التجارة الأوروبية مع إيران INSTEX، قال همتي إن "المفاوضات لا تزال جارية، وعلينا أن نرى ما سيحدث، وأن الأموال ستقدم لإيران كعملة شراء".
والحديث عن مقترح خط الائتمان ورد على لسان الرئيس ترامب وأبدى موافقة ضمنية بشأنه في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس ماكرون، ما يعني أن المقترح يجري التفاوض حوله منذ فترة وليست وليد اجتماع قمة السبع، ودخول البنك المركزي الإيراني على خط التفاوض بشأن المقترح يعني أن الأمر يتجاوز التحركات الدبلوماسية ويتطلب مشاورات وموافقات على مستويات عليا في داخل نظام الملالي.
الحقيقة أن هناك شيء ما يحدث وراء كواليس الأزمة الإيرانية ـ الأمريكية، وهناك كثير من التطورات الإقليمية ذات صلة وثيقة بما يدور، ومن ذلك التسخين العسكري الدائر على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، بين ميلشيات حزب الله والجيش الإسرائيلي، وإذا كان الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين النظام الإيراني ومجموعة "5+1"، لم يكن يحظى بدعم الحرس الثوري الإيراني، شكلياً أو ظاهرياً على الأقل، فمن المتوقع أن تمضي الأمور خلال الفترة المقبلة وفق نفس المعادلة، التي يعتقد النظام الإيراني أنها تجلب له الحد الأقصى من المكاسب والتنازلات الاستراتيجية.