بعد انضمامها بشكل رسمي إلى حلف "الناتو" في الحادي عشر من مارس الجاري، تثور تساؤلات حول رؤية الحلف المستقبلية للتهديدات وعلاقته بروسيا، وتأثير توسع العضوية في دور الحلف ورؤيته للعالم بعد أن وافقت هنغاريا على عضوية السويد في الحلف، حيث كانت الدولة الوحيدة المتبقية التي ترفض الانضمام.
اتسع حلف الناتو إذن ليصبع عدد أعضائه 32 عضواً ( كان يضم 12 عضواً عند تأسيسه في 1949)، من بينهم 3 من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي
، ولكن التوسع ليس ضمانة لزيادة القدرة على الردع، حيث يواجه الحلف تحديين مهمين خلال الفترة المقبلة، أولهما يتعلق بكيفية التعاطي مع أزمة اوكرانيا، وهل يبقى الحلف على أطراف الأزمة بعيداً عن التدخل المباشر فيها أم سيتورط ولو بشكل غير مباشر في حال تم إرسال قوات من بعض أعضائه للقتال في أوكرانيا، والتحدي الثاني يتمثل في احتمالات عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للسلطة، في ظل تبنيه خلال حملته الانتخابية موقفاً متشدداً بشأن التزامات أعضاء الحلف المالية، وتكرار تأكيده بأنه لا يجب على الولايات المتحدة الدفاع عن دول الناتو التي لا تدفع مستحقاتها المالية، وذلك بعد أن قال ترامب الشهر الماضي إنه سيشجع روسيا على ان تفعل ماتريده بحق أي دولة عضو في حلف الناتو لا تدفع ما يكفي لميزانية الحلف.
الشواهد تقول إن روسيا تأخذ على مجمل الجد النقاشات والجدل الأوروبي حول إرسال قوات إلى أوكرانيا، حيث طلبت موسكو عقد اجتماع لمجلس الأمن حول أوكرانيا في 22 مارس الجاري بعد "التصريحات والتحركات الغربية الخطيرة"، وقال النائب الأول لمندوب روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي إن عدداً من السياسيين الأوروبيين غير المسؤولين يريدون تصعيد النزاع الأوكراني والارتقاء به إلى مستوى جديد حيث أنه لم يعد صراعا غير مباشر، بل صراعا مباشرا بين روسيا وحلف "الناتو، وأشار بوليانسكي إلى أنه من الصعب تفسير كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الحاجة إلى إرسال قوات التحالف إلى أوكرانيا بشكل مختلف عن منع انهيار نظام كييف.
محاولات روسيا الضغط على حلف الناتو لا تتوقف على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن عدم استبعاد إرسال قوات لأوكرانيا، ولكنها تشمل أيضاً التسجيل الصوتي المسرب بشأن خطط هجوم محتملة على جسر القرم يناقش فيها ضباط ألمان كيفية مساعدة الأوكرانيين على تدمير الجسر وتدمير أهداف داخل روسيا، وقلق الضباط الألمان من افتضاح تورطهم المباشر في النزاع الأوكراني ـ الروسي. حيث تستغل روسيا هذه المحادثة في الترويج لفكرة وجود مستشارين عسكريين من دول عدة أعضاء بالحلف في أوكرانيا لمساعدة قواتها على اختيار أهداف الضربات. وهي ليست فكرة خيالية، حيث تقول وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنايسل إن قوات عدد من الدول الغربية متواجدة بالفعل داخل الأراضي الأوكرانية، وتقاتل إلى جانب قوات كييف، وهذه حقيقة واقعة ومعروفة.
لذلك تنظر روسيا بقلق إلى مناورات الناتو"الرد الشمالي 2024"، التي تجرى في النرويج وفنلندا والسويد بمشاركة أكثر من 20 الأف جندي من 13 دولة عضو بالحلف، وتستمر حتى منتصف مارس الجاري، وترى فيها استفزازاً ينتج مخاطر إضافية شمال اوروبا.
خلاصة الموقف أن التوترات بين روسيا وحلف الناتو تزداد بشكل ملحوظ، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الغرب يحاول إضفاء الشرعية على فكرة إرسال قوات من حلف "الناتو" إلى أوكرانيا، وهنا يبدو التصريح واقعياً إلى حد كبير رغم محاولات النفي الرسمية سواء من جانب مسؤولي حلف الأطلسي أو قادة ومسؤولين أوروبيين آخرين، حيث ترددت فكرة الرئيس الفرنسي على لسان قادة آخرين منهم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الذي أكد مؤخراً، إنه لا يمكن استبعاد إمكانية إرسال الغرب عسكرييه إلى أوكرانيا في ظل الأوضاع الراهنة في خطوط التماس ومجريات الأزمة الأوكرانية، وأوضح فوتشيتش: "ينتظرنا الكثير من المواقف الصعبة، فعندما تم ذكر الدبابات الغربية لأول مرة في أوكرانيا قال الكثيرون إن هذا لن يحدث أبدا لكنه حدث، وكذلك الأمر بالنسبة للطائرات"، وأضاف: "الآن يجري الحديث عن إرسال القوات الغربية إلى أوكرانيا، ويقول بعض القادة الغربيين إن ذلك لن يحدث، لكنه سيحدث كما حصل من قبل"، وهو نفس مضمون تصريح ماكرون الذي اكتفى بالقول إنه "لا يوجد إجماع على هذه الخطوة حالياً"، ما يعني أن هناك امكانية لحشد إجماع أطلسي في وقت لاحق. مغزى تصريح الرئيس الصربي الذي يزج بالمسألة في مربع نقاشي أكثر سخونة، أن هناك شىء ما تجري مناقشته وراء الكواليس، وأن تصريح ماكرون ليس اعتباطياً، وإنما كان اقرب لبالون اختبار سياسي، كما أشرت في مقال سابق.
توسع حلف الأطلسي يتزامن مع حالة من "عدم اليقين"تسود أوروبا على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي، حيث تشعر أوروبا بقلق عميق إزاء تزايد احتمالات انتصر روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وهو السيناريو الذي تخشاه أوروبا تماماً، ويأتي في توقيت قد يصل فيه الرئيس السابق دونالد ترامب إلى السلطة مجدداً في الولايات المتحدة، بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة لشركاء الأطلسي، الذين لا يخفون شكوكهم من استمرار الالتزام الأمريكي بالدفاع عن أمن أوروبا، وصولاً إلى الشك بقدرة القارة العجوز على الصمود في مواجهة هذه الأخطار من الأساس، وذلك في توقيت تتحدث فيه تقارير روسية عن أن خطط هجوم حلف الناتو على روسيا ليست في خزائن أو أدراج القادة العسكريين، إنما موضوعة بالفعل على طاولاتهم.