وصفت تقارير إعلامية غربية عدة المناورات العسكرية المشتركة، التي أجرتها مؤخراً كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها الأكبر على الإطلاق، حيث شارك آلاف العسكريين من الجانبين، وقالت هذه التقارير إن المناورات تحمل رسالة صريحة لإيران بأن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها للشرق الأوسط، وبالأخص للحليف الإسرائيلي رغم إنشغالها بالحرب في أواكرانيا.
ذكرت التقارير الإعلامية أن المناورات المشتركة قد شهدت مشاركة حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جورج بوش"، حيث كانت مركزاً لإدارة التدريبات التي درت قبالة سواحل إسرائيل، كما شاركت أكثر من 140 طائرة في التدريبات العسكرية، التي شارك فيها أيضاً نحو 6400 جندي أمريكي جنبًا إلى جنب مع 1100 جندي إسرائيلي، وقال رئيس الأركان الجديد هرتسي هليفي إن المناورات عززت قدرة بلاده على حماية نفسها مضيفاً "نعرف كيف ندافع عن أنفسنا"، معتبراً أن أفضل دفاع هو الرد على الهجوم، مشدداً على أن لدى إسرائيل قدرات هجومية تمثل رسالة واضحة للغاية لإيران، بأن هذه القدرات جاهزة للرد في حال إرتكاب أي أخطاء إيرانية.
من وجهة نظري التحليلية، فإن هذه المناورات تنطوي على رسائل أخرى منها إبلاغ كل من روسيا وإيران بأن التحالف الذي يتشكل بين البلدين في المرحلة الراهنة، سيواجه بتحالف امريكي ـ إسرائيلي قوي، وذلك على خلفية الجانبين من تطور التعاون العسكري بين طهران وموسكو، حيث تتجه الأولى لتطوير دعمها العسكري لروسيا وتزويدها بالصواريخ وعدم الإكتفاء بالمسيرات الايرانية التي باتت لاعباً فاعلاً في الحرب الأوكرانية، ويتوقع أن تعقب هذه الخطوة حصول إيران على مقاتلات روسية متقدمة لتعزيز القدرات الإيرانية في المجال الجوي.
من وجهة نظري، فإن المناورات تنطوي على رسالة أخرى مهمة لإسرائيل نفسها، وهي أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن إلتزامها الإستراتيجي المطلق بضمان أمن إسرائيل، ونلاحظ هنا أن هذه الرسالة قد جاءت عقب التيقن من فشل مفاوضات إحياء الإتفاق النووي الإيراني، وعودة نتنياهو إلى تولي السلطة في إسرائيل، على رأس حكومة يخشى المراقبون أن تندفع إلى توجيه ضربة عسكرية إستباقية ضد إيران، وبالتالي فإن المناورات تمثل رسالة طمأنة أمريكية لإسرائيل بالأساس، مفادها أن الولايات المتحدة داعم قوي لأمن إسرائيل، وهذا بحد ذاته أيضاً رادع قوي لإيران، ويصب في خانة دعم الجهود الأمريكية الخاصة بإقناع حكومة نتنياهو بعدم توجيه ضربة منفردة ضد إيران من دون التنسيق مع الولايات المتحدة.
هذه المناورات تمثل أيضاً أحد تجليات الجهد الإسرائيلي الخاص بتسليط الضوء على التدخل الإيراني في حرب أوكرانيا، وحث الحلفاء على إدراك صواب وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بأن إيران هي "مشكلة عالمية" وأنها تشكل تهديداً لدول خارج منطقة الشرق الأوسط.
في ضوء ماسبق، فإن مشاركة الجانب الأمريكي في هذه المناورات بهذه الكثافة تصب في خانة السعي إلى إحتواء أي مواجهة محتملة بين إيران وإسرائيل، فضلاً عن تعظيم الضغوط ضد إيران من أجل لجم إندفاعها نحو زيادة تخصيب اليورانيوم في ظل دخول جهود إحياء الإتفاق النووي نفق الجمود، حيث تريد الإدارة الأمريكية الحالية إبقاء الوضع على ماهو عليه، بمعنى السيطرة التامة على حالة اللا إتفاق التي تخيم على الملف النووي الإيراني، وتفادي نشوب أزمة مفاجئة قد تتسبب فيها إيران او إسرائيل.
هذه المناورات تدحض أيضاً التحليلات التي راجت في الآونة الأخيرة حول أزمة ثقة بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس بايدن، حيث يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة تحرص على التواصل بشكل مكثف مع الحليف الإسرائيلي من أجل تفادي نشوب أزمة جديدة في الشرق الأوسط، لاسيما أن واشنطن لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي في حال تعرض أمن إسرائيل لأي تهديد بغض النظر عن مستوى التفاهم بين حكومتي البلدين، حيث يبقى التزام واشنطن الإستراتيجي تجاه إسرائيل راسخ مهما تباينت وجهات النظر مع الحكومة الإسرائيلية الموجودة.