الخبر الجيد أن التقارير الإعلامية الواردة من ميادين القتال المحتدم من جانب التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"على جبهتي العراق وسوريا، تفيد بأن التنظيم يتلقى ضربات موجعة تسببت في تراجعه عن أراض سيطر عليها في السنوات الأخيرة، وأن المئات من عناصره تواصل الفرار بحثاً عن ملاجئ آمنة في المدن والقرى، ما يبشر بوجود احتمالية عالية لهزيمة "داعش"واندحاره في غضون الشهور المتبقية من العام الجاري.
أما الخبر السيء فهو ما توصلت إليه دراسة غربية جديدة أشارت إلى أن الغرب، بما فيه المملكة المتحدة، يخسرون بالفعل معركتهم ضد التطرف على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت". وتشير الدراسة التي أعدها "مركز الأبحاث الدينية والجيوسياسية"في بريطانيا إلى أن حجم المحتوى المتطرف على محركات البحث في الانترنت يتسع ويتزايد وينتشر بشكل غير مسبوق. كما اكدت الدراسة أن المحتوى الذي تبثه الحكومة البريطانية وتعتبره "معادياً للتطرف"لا يمثل سوى نحو 5% من العينة التي تم تحليلها عشوائياً لتكون معبرة عن طبيعة محتوى الانترنت.
المعروف أن الغرب يبذل جهود كبير للتصدي للمحتوى المتطرف عبر الانترنت، سواء عبر آليات قانونية أو تقنية، أو غير ذلك، ولكن المهم أن هناك تقارير منشورة تتحدث عن إزالة كم كبير من هذا المحتوى. وفي هذا الإطار، يشير أحد التقارير إلى أن السلطات البريطانية قد قامت بإزالة نحو 250 ألف منشور على الانترنت بسبب التطرف، حيث تقوم وحدة مشتركة بين قوة الشرطة "متروبوليتان"ووزارة الداخلية البريطانية بإزالة نحو 2000 منشور من المحتوى "المتطرف"على الإنترنت أسبوعيا، ومع ذلك فإن نتائج الدراسة الأخيرة قد أشارت إلى أن هناك ما يقرب من نصف مليون عملية بحث شهرياً تتم على محرك "جوجل"عن محتوى "متطرف"في مختلف أرجاء العالم، منها حوالي 56 ألف عملية بحث تتم في بريطانيا.
هذه النتائج، دغم عدم دقتها التامة من الناحية العلمية لأنها تضم عمليات البحث كافة من دون تفرقة سواء تمت لأغراض أخرى مثل القراءة والاطلاع والبحث العلمي، أو لأغراض تتماشى مع أهداف تنظيمات الإرهاب، فإنها مؤشر حيوي دال على وجود تفاعل هائل مع المحتوى المتطرف عبر الانترنت.
وقد خلصت هذه الدراسة كذلك إلى نتائج مهمة تستحق الإشارة إليها منها أن الشخص لا يتحول إلى متطرف على مواقع التواصل الاجتماعي في البداية بل قد يتشكل وعيه الجديد خلال عمليات البحث عبر شبكة الانترنت قبل أن يتجه لاحقاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه النتيجة منطقية ومقنعة علمياً إلى حد ما، فالإنسان عادة ما ينتقل من العام إلى الخاص، والبحث في محركات الانترنت ربما يلقي أمام الأشخاص مواد كثيرة ذات صلة بالتطرف، وقد يلجأ هؤلاء وقتذاك إلى مواقع التواصل الاجتماعي للاستزادة والتعمق، أو للانخراط في ما يعرف بمعسكرات التجنيد الفكري والتدريب الافتراضي، التي تتجسد في كثير من هذه المواقع.
هذه ملامح انتشار المحتوى المتطرف عبر الانترنت في الغرب، وهي ملامح حقيقية إلى حد كبير، ويجب أن تنبه المؤسسات المعنية في العالم العربي والإسلامي إلى إجراء دراسات وبحوث مماثلة للتعرف إلى نتائج جهودها في مكافحة التطرف في العالم الافتراضي خلال السنوات الماضية.
قد يقول قائل أن هناك جهود جبارة وهائلة تبذل من أجل نشر الاعتدال في العالم العربي والإسلامي، وهذه حقيقة لا أشكك فيها مطلقاً، فهناك جهود رسمية تبذل في كثير من الدول العربية والإسلامية من أجل نشر ثقافة الاعتدال والتصدي للفكر المتطرف، ولكن يجب أن نتعرف إلى ردود وإجابات على نقاط عدة في مقدمتها: حجم المحتوى المعتدل مقارنة بنظيره المتشدد، وحدود تأثير المحتوى المعتدل، ومعدلات التزايد والانتشار في المحتويين المعتدل والمتطرف، وغير ذلك من تساؤلات حيوية تستحق الإجابة عليها كي يمكن مواصلة الجهد وفق رؤية استراتيجية واضحة في المستقبل المنظور.
الحكومة البريطانية اعتبرت أن انتشار المحتوى المتطرف عبر الانترنت "مشكلة مستفحلة"، ما يعني أن الأمر ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض، ولكن الفارق أنهم يأخذون هذا التحدي بجدية، في حين لا تخضع مثل هذه الأمور في عالمنا العربي والإسلامي لقياسات وإجراءات علمية وبحثية بالشكل المرجو، عدا بعض الدول العربية التي تتبنى نهجاً علمياً دقيقاً واستراتيجية واضحة في التصدي للفكر المتطرف، وفي مقدمة هذه الدول تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أسست مراكز بحثية متخصصة في مكافحة الفكر المتطرف مثل مركزي "هداية"و "صواب"اللذين يمثلان نموذجاً للعمل الجاد على صعيد مكافحة التطرف عبر الانترنت.