ربما هي المرة الأولى التي يراقب العالم أجمع انتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث ينتظر أن تحدد الانتخابات المقبلة بوصلة الاتجاه في أوروبا خلال السنوات المقبلة، وتجيب على السؤال الأهم على طاولة الباحثين السياسيين الآن وهو: كيف يؤثر وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في التيار اليميني الأوروبي المتشدد، وهل تفعل نظرية الدومينو فعلها في أوروبا؟
سباق الرئاسة الفرنسي يضم 11 مرشحاً يتنافسون في الانتخابات التي ستجرى في الثالث والعشرون من الشهر الجاري، وهناك ثلاثة مرشحين يتصدرون استطلاعات الرأي وليس من المتوقع أن يفوز أحدهم من الجولة الأولى نظراً للتقارب الشديد بينهم في نتائج الاستطلاعات.
هي انتخابات مهمة في تاريخ فرنسا لأسباب عدة أولها أنه للمرة الأولى منذ عقد ونصف، تصعد حظوظ الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بهذا الشكل، لدرجة أن بعض المراقبين يرشحونها لتحقيق مفاجأة على غرار ما حدث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة. والسبب الآخر أنها المرة الأولى في تاريخ فرنسا التي لا يخوض فيها الرئيس الانتخابات للفوز بفترة رئاسية ثانية، حيث يعاني الرئيس الحالي فرانسوا هولاند ضعف الشعبية بدرجة كبيرة.
ماري لوبان زعيمة الجبهة الوطنية هي أمل اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا، ومن الوارد بالفعل أن تحقق المفاجأة نظراً لتقاربها الشديد مع المرشح إيمانويل ماكرون في الاستطلاعات الأخيرة، فضلاً عن أنها تمتلك خبرة معتبرة في الانتخابات منذ أن حلت ثالثة في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وتمكنت من قيادة الجبهة الوطنية لتحقيق مكاسب انتخابية ملحوظة في الانتخابات المحلية عام 2015، ما يعكس تنامي التيار المؤيد لها.
استطلاعات الرأي لا تعطي أفضلية واضحة لأي من ماكرون أو لوبان، ولكنها تعطي الأفضلية للأول في حال وصل الاثنان إلى خوض جولة ثانية في السابع من مايو المقبل.
لوبان لديها موقف متشدد حيال المسلمين، وسبق أن شبهت المسلمين فرنسا بالاحتلال الألماني للبلاد في الأربعينيات، ورغم أنها خففت لهجتها لكنها لا تزال بعيدة عن فرنسا التي يعرفها العالم!! وفوزها يعني أن تتوجه أوروبا سياسياً خلال الفترة المقبلة إلى اليمين المتطرف، حيث تنامت الحركات القومية في ألمانيا وهولندا وغيرها، ويعني أيضاَ ضربة قوية للاتحاد الأوروبي، حيث تطالب لوبان بالتفاوض مع الاتحاد حول صيغة جديدة مع طرح استفتاء "بريكسيت" فرنسي جديد حول استمرار العضوية في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اتجاهاتها الخاصة بخفض الهجرة والطرد التلقائي للمهاجرين غير الشرعيين وأغلاق المساجد الإسلامية "المتطرفة".
أبرز منافسي لوبان هو ايمانويل ماكرون سياسي شاب واعد يبلغ 39 عاماً، ولديه فرصة قوية وحقيقية ليصبح أصغر رؤساء فرنسا على مر التاريخ، وهو ليس نائبا برلمانياً ولم يسبق له الترشح في أي انتخابات من قبل، وصعوده السياسي لافت للأنظار بقوة، ولكنه يستحق فهو سياسي مبدع ومبتكر، وصاحب إنجازات حقيقية في السياسة الفرنسية.
الظروف التي سبقت الانتخابات الفرنسية داخلياً وخارجياً تغذي سيناريو المفاجأة، فداخلياً غاب عن مقدمة السباق من كان أبرز مرشحيه، وهو فرانسوا فيون، الذي فاز بترشيح حزب الجمهوريين، ولكنه واجه فضيحة فساد مالي، نتيجة الادعاءات القائلة إن زوجته وابنيه تسلموا اموالا حكومية على غير وجه حق، ما تسبب في تراجع فرص فوزه بشكل كبير.
البعض يرى أن ماريان لوبان لم تعد متطرفة، بل تجاهد للتخلص من وصمة اليمين المتطرف، ودانت الكثير من مواقف والدها جان ماري لوبان الزعيم السابق لحزب الجبهة الوطنية الذي كان يطالب بطرد أكثر من 23 مليونا من الاجانب المقيمين في فرنسا، وبدأ الحزب تحت قيادتها في التخلص من هذه المطالب والتراجع عن إنكار المحرقة النازية وغير ذلك، ومن ثم فقد تزايدت نسبة تأييد الحزب من 18% عام 2010 إلى 24 % حالياً، ولم يتبق من مواقفها التي كانت توصف بالتشدد سوى ما يتعلق بالهجرة، حيث لا تزال ترى أن الجنسية الفرنسية يجب أن تكون "إما وراثية أو مستحقة"، وترفض بقاء المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا، بل ارتفع سقف تشددها عقب فوز ترامب بالإعلان عن أنها تنوي منع اطفال المهاجرين غير الشرعيين من الحصول على تعليم مجاني في فرنسا، قائلة "اذا جئتم الى بلادنا، لا تتوقعوا ان نعتني بكم وأن يحصل اطفالكم على تعليم مجاني. لقد انتهى زمن اللعب"، وهي مواقف مشتركة مع منافسين آخرين مثل فرانسوا فيون، الذي يطالب بخفض الهجرة إلى أقل عدد ممكن."
برأيي أن نقطة قوة لوبان ليست في التشدد حيال الهجرة، فهذه باتت قاسماً مشتركا للمرشحين، بل لأنها ستستفيد من تذمر الناخبين من الأحزاب التقليدية والمرشحين التقليديين، وهي النقطة التي لعبت دوراً كبيراً في ترجيح كفة الرئيس ترامب على منافستها هيلاري كلينتون، فهل تكرر المفاجأة الانتخابية في فرنسا؟ وهل تواجه فرنسا زلزالاً مماثلاً لما حدث في الولايات المتحدة عندما فاز ترامب بالرئاسة؟ وهل تفوز لوبان لتكون دعامة أخرى في بناء عالم جديد إلى جانب ترامب كما قالت؟.