قرأت مؤخراً ما نشر حول نتائج استطلاع للرأي لنحو 7 آلاف شاب عربي يمثلون 10 دول عربية، وتتراوح أعمارهم بين 15 و33 عاما، وكان من أبرز نتائج هذا الاستطلاع جهل قطاع كبير من الشباب بمفهوم المواطنة وحقوق المواطنة بحسب بؤرة اهتمام التقارير الاعلامية التي نشرت نتائج هذا الاستطلاع.
ما يهمني في هذه النتائج، أن الاستطلاع كشف عن اعتماد شريحة من الشباب في الحصول على معلوماتهم الدينية على البرامج التلفزيونية وميل فئة قليلة منهم للتعاطف مع الفكر المتطرف. ورغم ان النتائج قد اشتملت على مؤشرات ايجابية عدة منها رفض الشباب بشكل عام أفكار التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" و"القاعدة" وغيرهما من تنظيمات الارهاب، فإن علينا ألا ننخدع كثيراً لأن هناك نسبة تتراوح بين 1 ـ 6% من عينة الاستطلاع بين متعاطف أو "مشوش" أو يعتقد بصحة موقف هذه التنظيمات، وهي نسبة عالية للغاية، لأننا لو افترضنا أن مجموع سكان الدول العشرة التي ينتمي إليها المستطلعة أرائهم (سلطنة عمــان وقطــر ولبنــان وتونــس والجزائــر والســودان والعــراق، وليبيــا وموريتانيــا واليمــن) يبلغ نحو مائتي مليون نسمة، فإن هذا يعني أن هناك ما بين 2 ـ 12 مليون فرد مرشحون لتقبل أفكار متطرفة أو هم بالفعل منخرطون في أنشطة ذات صلة بهذه التنظيمات، سواء على المستوى النظري /الفكري، أو التنظيمي/ الحركي!
وإذا علمنا أن تنظيم "داعش" أو "القاعدة" قد تسبب في أزمة أمنية كبيرة للعالم أجمع بفعل انخراط عشرات الآلاف من العناصر الارهابية بين صفوفه، فإن مجرد التطرق إلى ذكر احصاءات مليونية يجب أن يثير لدينا القلق، لأن هؤلاء يشكلون بيئة مجتمعية حاضنة للتطرف في مناطق مختلفة من عالمنا العربي.
علنا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال، وعلينا أيضاً أن نتصرف بعقل وروية وحكمة، فالمسألة تثير القلق ولكنها تستوجب أيضاً التعامل وفق منهج مدروس لاستئصال هذا الفكر واقناع المتعاطفين معه والمقتنعين به بانحرافه عن الصواب وجوهر الاسلام الحنيف.
في مسألة انتشار التطرف هذه لدي ملاحظات عدة، أولها أن هذه الاستطلاعات ليست سوى جرس انذار ولا يجب الاعتماد عليها كبرهان دقيق لقياس مساحات انتشار التطرف والارهاب بالدقة اللازمة لوضع خطط جادة للتعامل مع هذا التحدي الصعب ليس لعيب في الجوانب الاجرائية للاستطلاعات، ولا لإشكالية علمية ولكن لطبيعة المنطقة العربية ذاتها وتعاطي الناس فيها مع الأسئلة والتساؤلات خصوصاً من الغرباء وعلاقة هذه الأمور بالبيئة الأمنية السائدة في كل دولة على حدة. والأمر الثاني أن الكشف عن التعاطف مع التطرف والارهاب ربما يبدو سهلاً بالنسبة للشباب في مراحل التعاطف الأولى، التي تتسم بالعفوية والاندفاع وغياب الأطر الحركية، أي عدم الانخراط الفعلي في نشاط فكري أو تنظيمي تابع للجماعات الارهابية، ولكن الفكر بحد ذاته ربما يبدو مرشح لتقبل مثل هذه الخطوة أو رفضها بحسب ظروف واعتبارات مجتمعية وعائلية معقدة. بالمعروف أن الانخراط الفعلي في أنشطة حركية يصعب الكشف عنه من خلال استطلاعات للرأي مهما كانت درجة حرفيتها ومهنيتها ومقدرة معديها على المناورة في استخلاص الردود والآراء. فأبجديات التطرف التي يتلقاها المنخرطين تنطلق من الخداع والمراوغة والتخفي بحيث يصعب اكتشاف هؤلاء سوىء من خلال الرصد التتبعي من قبل المعايشين أو المقربين منهم، والمسألة لها علاقة طردية بمستوى التعليم والثقافة، بمعنى أنه لكما ازداد مستوى التعليم بات من الصعب اكتشاف مستويات التعاطف مع الفكر الارهابي، وارتفعت مقدرة العنصر على التخفي اللفظي والسلوكي. أضف إلى ذلك أن الاعتمادية على قياسات استطلاعات الرأي في المنطقة العربية مسألة يجب التعامل معها بحذر، نظراً لظروف المجتمعات والقوانين، ومن ثم سلوك الأفراد الذين اعتادت شريحة كبيرة منهم التعامل بحذر في مثل هذه المواقف وعد التصرف بشكل طبيعي في بعض المواقف الاجتماعية بشكل عام كما أشرت سابقاً.
ومع ذلك، علينا التعامل بشكل جاد مع بعض المؤشرات مثل المكانة الكبيرة لإمام مسجد الحي لدى كثير من الشباب، وهذه نقطة تعني أهمية الاتصال الشخصي الذي لم يفقد تأثيره تماماً في عصر التواصل الاجتماعي، وهو ما يلقي بالمسؤولية على الجهات المعنية في تأهيل أئمة المساجد وتثقيفهم بشكل مستمر من خلال الدورات والمحاضرات، من أجل تعزيز مقدرتهم على مواكبة متغيرات العصر ومجاراة الواقع، لأن جزءاً كبيراً من نجاح تنظيمات التطرف فيب الانتشار المقلق في بعض الدول العربية، يعود بالاساس إلى فاعلية هذه التنظيمات على الأرض منذ سنوات وعقود مضت، واستثمارها في العمل الاجتماعي في ظل غياب دور الدولة وانحسار مقدرتها على القيام بمهامها الخدمية والاجتماعية والصحية وغير ذلك، مقابل مقدرة هذه التنظيمات على جمع الشباب حول كوادرها من الشباب أيضاً، حيث راعت هذه الجماعات منذ البداية فكرة الفوارق العمرية وراهنت على غياب التواصل بين شريحة الشباب وأئمة المساجد كبار السن وخطابهم التقليدي، الذي يتسم في أغلب الأحوال بالنمطية والتقليدية والافتقار إلى عوامل الجذب اللغوي والخطابي ناهيك عن عدم الالمام بشؤون العصر وقضاياها وشواغل الشباب في الوقت الراهن.
علينا أيضاً أن ننتبه إلى البرامج الدينية المتلفزة، وأن ننتقي من يظهر في هذا البرامج للحديث باسم الدين، بحيث يكون قادراً على التواصل ونقل الأفكار وعدم الانزلاق في العبثية والسلوكيات التي تشوه الدين وتنفر الشباب وتدفعهم إلى البحث عن البديل، الذي قد يكون من دعاة التطرف والارهاب!!
لدى قناعة قوية أيضاً بأن الخطاب الديني ليس هو السبب الوحيد في انتشر التطرف، بل هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية وتأثيراً أهمها انهيار التعليم في معظم مناطق العالم العربي، وبالتالي انتشار القابلية للاستهواء وتفشي الجهل وغياب الأفق المستقبلي وضعف التنافسية في سوق العمل، مع ما يعنيه ذلك من احباط ويأس يلعب دوراً بالغ الأهمية في الانضمام لجماعات تغذي الثغرات تستغل جوانب الضعف والترهل لدى المجتمعات.