رغم أنها قائمة وتتفاقم منذ أربعينيات القرن العشرين، فإن أزمة أقلية «الروهينجا» فى ميانمار، قد برزت فى الآونة الأخيرة بشكل لافت للانتباه ومثير للقلق العالمى من زوايا إنسانية وحقوقية عدة.
لهذه القضية من وجهة نظرى بعد بالغ الخطورة يتعلق بالأمن والاستقرار الإقليمى والعالمى، فمفردة «الإرهاب» قد دخلت على خط هذه القضية فى الفترة الأخيرة على لسان الزعيمة البورمية أونج سان سو تشى، حيث تحدثت عن مواجهة الإرهاب فى إقليم راخين، وفى المقابل بدأت وكالات الأنباء تسليط الضوء على من تصفه بـ«جيش إنقاذ روهينجا أراكان» المتمركز فى ولاية «راخين» شمال ميانمار على الحدود مع بنجلاديش، والذى تصنفه سلطات ميانمار حركة إرهابية، يتزعمها شخص يدعى عطاء الله أبوعمار جونونى المولود فى كشمير بباكستان لأب مهاجر من الروهينجا، والذى قال إن حركته ستواصل القتال حتى لو مات مليون شخص إلا إذا اتخذت زعيمة البلاد أونج سان سو تشى إجراءات لحماية الروهينجا.
قضية اضطهاد أقلية الروهينجا على يد سلطات ميانمار هى قضية تستحق كل الاهتمام العالمى، ويجب أن تدرج على أجندة الأمم المتحدة للبحث عن تسوية نهائية لها كى لا تتحول إلى منفذ جديد لتنظيمات التطرف والإرهاب، التى ربما لم تتدخل حتى الآن فى هذه القضية، ولكن من الوارد أن تجد فيها مستقبلًا مصدرًا جديدًا للارتزاق وتحقيق أهداف الإرهابيين فى ساحة جديدة من ساحات الجهاد المزعوم!.
الخطورة فى قضية الروهينجا أنها قابلة لإشعال نيران جديدة بين المسلمين فى تلك المنطقة الحساسة من العالم، وبين أصحاب ديانات أخرى مثل البوذية وغيرها، ولو نظرنا إلى خارطة التوزيع الدينى والعرقى فى منطقة الجنوب الآسيوى، لأدركنا خطورة الوضع الدينى والعرقى فى تلك المنطقة، التى لا تنقصها بالفعل التوترات الدينية والعرقية، فهناك إشكاليات وحساسيات وأوضاع غاية فى الهشاشة فى بؤر كثيرة من تلك المنطقة، والأمر ليس بحاجة إلى مزيد من مصادر التوتر الدينى والعرقى.
هناك فسيفساء عرقى ودينى ومذهبى بالغ الهشاشة والحساسية فى الجنوب الآسيوى، ويتوزع بين دول عدة لها ماض وحاضر لا يخلو من الصراع السياسى والعسكرى، الذى يطفو على السطح تارة ويختفى تارة أخرى، وبالتالى فمن الحكمة أن تعالج قضية أقلية الروهينجا فى إطار دولى إقليمى يضمن عدم صب الزيت على النار فى هذه المنطقة ذات التشابكات العرقية المعقدة.
قضية العرقيات فى ميانمار ليست قضية المسلمين وحدهم كما يعتقد الكثيرون، فالسلطات فى هذا البلد تخوض نزاعات مسلحة مع جماعات عرقية عدة منذ عقود طويلة مضت، ولكن أكثرهم معاناة هم مسلمو الروهينجا، الذين يعيشون فى ولاية راخين وتعرضوا للحرمان من الجنسية وملكية الأراضى والتصويت الانتخابى والسفر ويعانون مظاهر عدة من الاضطهاد، الذى اضطر عشرات الآلاف منهم للفرار فى سنوات وعقود سابقة إلى بنجلاديش، ولكنهم يجبرون على العودة فى معظم الأحوال، ومن ثم فإن مظاهر الاضطهاد والإشكاليات العرقية فى ميانمار قائمة وتخص عرقيات وديانات أخرى. فهناك أيضًا أقلية «الكارين» التى تعانى التهجير القسرى من مناطقها المعروفة بمواردها الطبيعية، وهناك مسيحيو أقلية «الكاشين» التى كانت تمتلك أيضًا ذراعًا مسلحة تسمى «جبهة تحرير كاشين» ولكن سبق لها التوصل لاتفاق وقف إطلاق للنار مع السلطات الحكومية فى ميانمار. وهناك أقلية أغلبها يعتنق المسيحية تسمى «تشين» ويبلغ تعدادها نحو مليونى نسمة يقطنون قرب الحدود مع الهند، ويتعرضون للاضطهاد على يد السلطات ويعانون نقصا فى الغذاء، وهناك فى ولايات أخرى أقليات وثنية ومسيحية تمتلك ميليشيات مسلحة يصل عددها إلى نحو ٣٠ ألف مقاتل!.
يجب أن يتوقف العالم عند قضايا الاضطهاد العرقى والدينى لإيجاد تسويات وحلول نهائية لها، ومعظمها يمكن حله من خلال الالتزام بمبدأ المواطنة وتخلى الدول عن التمييز العرقى والدينى وفرض قوانين تضمن قبول الآخر والتعايش المشترك وتحظر التمييز على أسس عرقية أو دينية أو طائفية.
لا يمكن للعالم أن يكافح العنف والتطرف والإرهاب بموازاة استمرار ممارسات القهر والاضطهاد والعنف والاحتلال وغير ذلك من عوامل تغذى الكراهية وتشحن الأجيال تلو الأخرى بالأحقاد والضغائن النابعة من التمييز لأسباب عرقية أو دينية!، وعلينا أن نستخلص الدروس من تجارب الماضى والحاضر فى مكافحة الإرهاب، وأن ننتبه إلى أن آلاف الإرهابيين الذين انتشروا فى دول عدة فى السنوات الأخيرة قدموا من دول ومناطق تدربوا فيها على ممارسة القتل وسفك الدماء والإرهاب، تحت لافتات وشعارات براقة ترفعها تنظيمات وجماعات تزعم الدفاع عن الأديان!.
الخلاصة أن العالم لم يصبح قرية كونية صغيرة فى مجال الاتصالات فقط، بل تمت عولمة كل الظواهر، فهناك عولمة للإرهاب وعولمة للأمن والاستقرار، ومن الصعب على العالم أن يبقى مكتوف الأيدى فى مواجهة مظاهر الاضطهاد والانتهاكات التى ترتكب بحق أى أقليات دينية أو عرقية لأن تبعات ذلك سيدفع فاتورتها الجميع فى مراحل لاحقة بحكم تشابك وتداخل عوامل الأمن والاستقرار العالمى