في تعاطيها مع مجزرة لاس فيجاس غير المسبوقة في التاريخ الأميركي الحديث، تفادت الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية إطلاق وصف «الإرهابي» على منفذ هذا الاعتداء، رغم مقتل نحو 57 شخصا من الأبرياء وإصابة مئات آخرين!
جريمة لاس فيجاس هي جريمة بشعة لا تختلف في أي شيء عن الجرائم الإرهابية الأخرى، فالدوافع واحدة في مختلف الحالات، وهو الكراهية والحقد والرغبة في القتل والتعطش لسفك الدماء.
ستفين بادوك، القاتل الأميركي، الذي تسبب في إزهاق أرواح نحو 58 شخصا من الأبرياء ليس مختلا عقليا، على الأرجح، كما تروج وسائل الإعلام الأميركية، فالسلطات الأمنية تعرف أنه خطط بدقة شديدة لارتكاب جريمته، وكانت لديه نية مبيتة للقتل، وخطط للجريمة قبلها بوقت كاف، واحتفظ بكمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة في الغرفة التي أقام بها بالفندق، ولنقل بصراحة إن الجريمة التي ارتكبها لا تختلف في شيء عن الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون، عدا ديانة المجرم القاتل!
أيا كانت المنطلقات الفكرية والأيديولوجية لهؤلاء القتلة والمجرمين فهم إرهابيون، سواء انتموا إلى الإسلام أو غيره من الديانات، وسواء رفعوا شعارات إسلامية أو لم تعرف مبرراتهم ودوافعهم، فالجرائم في مختلف الحالات ترتكب بشكل عمدي، وتسبقها نية مبيتة للقتل وسفك الدماء.
لا يمكن القبول بأي تفسير للجرائم مثل الظروف النفسية والاجتماعية وغير ذلك، فهذا المدخل يمكن أن يفتح الباب لتفسيرات هروبية كثيرة! والفيصل في نعت مثل هذه الجرائم في مجملها بالجرائم الإرهابية يتمثل في ضرورة الاقتناع بأن الإرهاب لا دين له، وأنه لا يقتصر على تنظيمات متطرفة تزعم الدفاع عن الدين الإسلامي، بل يشمل كل فعل معاد للإنسانية والقيم والمبادئ الحضارية ويتسبب في إزهاق أرواح الآخرين.
هذا التباين والتردد في وصف الجرائم التي ترتكب من غير المسلمين بأنها إرهابية يكمن أيضا في غياب التوصيف المفاهيمي القانوني الدولي للإرهاب، فمن الغريب أن يعجز العالم بمؤسساته ومنظماته الدولية عن الاتفاق والتوافق على تعريف قانوني دقيق للإرهاب، ورغم المطالبات والدعوات الكثيرة لبلورة هذا المفهوم من أجل دعم استراتيجيات مكافحة الإرهاب، فإنه لم يتم التوصل إلى هذا التعريف الدولي الموحد حتى الآن!
من المؤكد أن مصداقية القوى الكبرى والمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب والتأكيد على الفصل بين الإسلام والإرهاب يمكن أن يكتسبا دعما قويا من خلال عدم حصر الممارسات الإرهابية في كل من ينتمي للإسلام، سواء انتمى إلى تنظيم داعش أو غيره، فهناك من يروج للفكرة القائلة بأن انتماء أي مجرم للإسلام كفيل بوصمه بالإرهاب عقب الجريمة مباشرة، وهذا أمر لا علاقة له بالتوصيف الدقيق للإرهاب بقدر ما له علاقة بتجذر القناعة بالتصاق الإرهاب بالدين الإسلامي، وهذا الأمر فيه ظلم كبير لهذا الدين العظيم، وفيه أيضا إضعاف لفرص المسلمين المعتدلين في التصدي للإرهابيين والمحرضين ودعاة الفتن والحروب بين الأديان والثقافات!
الفصل بين الإسلام والإرهاب قد يكون مسؤولية رجال الدين المسلمين بالدرجة الأولى، ولكنه أيضا مسؤولية الإعلام والدول الغربية التي يجب عليها عدم حصر الإرهاب في المسلمين والإسلام، فالكثيرون يشيرون في أحاديثهم إلى أن الإرهاب لا دين له، ولكن التطبيق على أرض الواقع يحصر الاتهامات بالإرهاب في المسلمين دون غيرهم.
مكافحة الإرهاب معركة طويلة الأمد تتطلب تعاونا دوليا وثيقا، فقد علمتنا التجارب أن الفكر الإرهابي يراوح بين مد وجزر، ما يتطلب بناء استراتيجية طويلة الأمد ونزع فتيل الذرائع التي يمكن أن يتخذها الإرهابيون سبيلا لاتهام الغرب بالعداء للإسلام واستهداف المسلمين، وفي مقدمتها هذا التفاوت في تحديد طبيعة الجرائم، علما بأن توحيد المصطلحات والمفاهيم في مواجهة جرائم القتل بدافع الكراهية والعنصرية مسألة إيجابية تصب في مصلحة مكافحة الإرهاب في ممارساته المطلقة، وتعزز قيم التعايش وقبول الآخر.