عندما أنشأت دولة الإمارات وزارة للسعادة في التشكيل الحكومي عام 2016، استغرب البعض وعدوا أن هذه الوزارة نوع من الرفاه الزائد عن الحد، ولكن هذا الأمر لم يكن حكماً صائباً بل حكماً متقوقعاً حول أفكار مقولبة عفا عليها الزمن ومصابة بتصلب مزمن في أسماء ومهام الوزارات والحكومات! فعندما تكون السعادة أولوية في المجتمع، فلماذا لا تنشأ لها وزارة مثلما أنشأت وزارات لأولويات أخرى كالصحة والتعليم والأمن وغير ذلك؟
تذكرت هذا الأمر وأنا أتابع إنشاء وزارة لمحاربة الوحدة والعزلة الاجتماعية في حكومة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي كلفت وزيرة الرياضة تريسي كروش بمهام الوزارة الجديدة إضافة إلى مهامها.
قضية الوحدة والعزلة الاجتماعية إحدى القضايا الحيوية في المجتمعات الغربية، ولا سيما بريطانيا، التي شهدت إطلاق عدد من الحملات لمكافحة هذه الظاهرة، التي يعاني منها كبار السن والمعاقون وغيرهم، وتتعلق تحديداً بنحو تسعة ملايين من كبار السن في بريطانيا، ودرست لجنة جو كوكس، التي أسستها النائبة عن حزب العمال جو كوكس، التي اغتيلت في يونيو 2016 على يد رجل من أنصار تفوق العرق الأبيض.
تقول تيريزا ماي «بالنسبة للكثير، الوحدة هي الحقيقة المحزنة للحياة الحديثة»، والحكومة البريطانية أجرت دراسات استقصائية أشارت إلى أن أكثر من تسعة ملايين شخص «دائماً أو في الأغلب يشعرون بالوحدة»، في حين أفاد نحو 200 ألف من المسنين بعدم إجراء محادثة مع صديق أو قريب لأكثر من شهر. وبينت إحدى الدراسات أن نحو 85 في المئة من البالغين المعاقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 34 عاماً أعربوا عن شعورهم بالوحدة.
الخبراء والمتخصصون يؤكدون أن الوحدة والشعور بالعزلة يمكن أن يتسببا بارتفاع معدلات الوفيات، وتفاقم الأمراض، لا سيما الأمراض النفسية، حيث ثبت أن «الوحدة أسوأ على الصحة من تدخين 15 سيجارة يومياً» كما أفاد أحد الخبراء البريطانيين.
وتشير تقديرات إلى أن نحو نصف الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً يعيشون وحدهم، أي حوالي مليوني شخص في أنحاء بريطانيا، بينما أوضح كثيرون أنه قد تمر عليهم أيام ، بل أسابيع بدون أي تواصل اجتماعي على الإطلاق.
هذه الظاهرة لا تقتصر على المجتمعات الغربية فقط، فهي قائمة بمعدلات متفاوتة في مجتمعاتنا العربية، ولكن لا يزال الاهتمام بها بعيداً عن قائمة الأولويات، وقد يعد البعض الحديث فيها نوعاً من الأمور التي قد تسيء لمجتمعاتنا، التي تتباهى بالتماسك الأسري والاجتماعي وانتشار القيم والتقاليد التي تحفظ لكبار السن تواصلهم مع الآخرين، وهذا الكلام مفهوم إلى حد ما، ولكن يجب الانتباه إلى أن إيقاع الحياة العصرية وانهماك الكثير وانشغالاتهم بمتابعة شؤونهم اليومية قد يسهم في تعميق معاناة كبار السن من دون إحساس جماعي بذلك.
ما يهمني في هذا النقاش أن التطور والتقدم قد أنتج أولويات جديدة للحكومات ووضع مهام جديدة لدور الدولة، التي باتت تخطط للسعادة ومكافحة العزلة والوحدة.