عندما أعلنت دولة الامارات العربية المتحدة، بالإضافة للمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، تأييدها لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، فإن قرارها لم يكن مفاجئاً للباحثين الجادين في ضوء اتجاهات السياسة الخارجية الإماراتية، التي تدرك الأبعاد السلبية لهذا الاتفاق منذ توقيعه.
قد يقول قائل: لقد باركت الامارات هذا الاتفاق عند توقيعه عام 2015، فلماذا تعود اليوم لتدعم الانسحاب الأمريكي منه؟ وهنا نرد بالإيجاب، ولماذا انسحبت منه الإدارة لأمريكية، وهي أحد الأطراف الرئيسية الأصيلة فيه، طالما أنه يحقق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة؟! ألا يعني انسحاب الرئيس ترامب ان الاتفاق ينطوي على ثغرات وعورات يجب تلاشيها لضمان الامن والاستقرار العالمي؟
نعم باركت الامارات الاتفاق النووي عام 2015، ولكن لا تقف عند حد قراءة هذا المعن ولكن لتكمل قراءة ما نشر وقتذاك حول الموقف الاماراتي، فقد نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر إماراتي مسؤول في الثالث عشر من يوليو عام 2015 قوله " إن الاتفاق الذي توصلت اليه إيران مع الدول الكبرى يشكل فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الإقليمية" واعتبر أنه يتعين على طهران "مراجعة سياستها بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة"، هذا الموقف هو موقف الامارات الثابت منذ توقيع الاتفاق وحتى الآن، والسبب المباشر في تغير الموقف الاماراتي من مباركة الاتفاق إلى تأييد الانسحاب الأمريكي منه أن الإدارة الأمريكية السابقة قد "روجت" للاتفاق باعتباره خطوة أساسية لازمة لتحقيق الاستقرار الإقليمي، فإذا به ضوء أخضر يطلق يد نظام الملالي في المنطقة بأكملها! ولعل نظرة واحدة على السلوك الإقليمي الإيراني قبل عام 2015 وبعده نكتشف بسهولة أن الملالي اتخذوا من الاتفاق ذريعة للعربدة والبلطجة الإقليمية، واعتبروا أن مهادنة الولايات المتحدة بمنزلة إطلاق يد إيران في المنطقة كي تصول وتجول من دون أدنى اعتبار ولا احترام للقواعد والقوانين والمبادئ والأعراف الدولية، حيث انتهكت سيادة الدول المجاورة في اليمن ومملكة البحرين والعراق وسوريا ولبنان ناهيك عن التوغل الإيراني في دول أخرى بالمال والاستنفار الطائفي المذهبي!
لم يحقق الاتفاق إذاً ما تصورته الإدارة الأمريكية السابقة التي سعت وراء تحقيق مجد شخصي للرئيس أوباما من دون تعمق في دراسة أبعاد الخطر والتهديد الإقليمي الإيراني، وركزت عملها في تفادي نشوب صراع مع إيران على حساب أمن الحلفاء في دول مجلس التعاون، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن ترامب يضع امن الحلفاء كمحرك أساسي لقراره، بل هو أحد العوامل أو الدوافع التي يقف في صدارتها خطر نظام الملالي على أن إسرائيل أقرب حلفاء الولايات المتحدة إلى قلب ترامب، وهناك أيضاً التمدد الاستراتيجي الإيراني في سوريا، والذي أسفر عن إشكاليات صعبة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
وبالتالي فإن أساس الموافقة الإماراتية السابقة على الاتفاق حين توقيعه مرهونة بفتح صفحة جديدة من جانب نظام الملالي وأن يعيد هذا النظام حساباته ويسعى إلى الأمن والاستقرار الإقليمي، وهذه هي روح مثل هذه الاتفاقات، التي انتهكها الملالي واتخذوا منها مطية لتحقيق أغراضهم فأغضبوا القاصي والداني، ولم يتركواً مجالاً للعقل ولا المنطق في فهم هذا التوسع والتغول الجنوني على حساب سيادة الدول الأخرى، لدرجة التباهي علناً باحتلال أربعة عواصم عربية مع وعد باحتلال الخامسة! وهو أمر لا تجرؤ دولة عظمة مثل الولايات المتحدة على القول أو الجهر به رغم نفوذها المتعاظم وقوتها الهائلة التي تتيح لها تنفيذ مايفوق المخططات الإيرانية!
حتى من يراجع برقية القيادة الإماراتية بعثت بها وقتذاك إلى الرئيس روحاني سيجد أنها تضمنت ايضاَ الإعراب عن الأمل في أن يسهم هذا الاتفاق في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، إذا هي مباركة مشروطة أو مرهونة بتحقق أغراض الاتفاق، وليس بإطلاق يد الملالي للعربدة في الإقليم والسعي لاحتلال عواصمه واحدة تلو الأخرى!
لم تفترض الامارات ولا غيرها من الدول التي أيدت قرار الرئيس ترامب مؤخراً، لم تفترض سوء نية في النظام الإيراني حين باركت هذا الاتفاق، بل سعت إلى منح هذا النظام المؤدلج فرصة جديدة، لعل وعسى، فضلاً عن رغبتها وقتذاك في أن يكون هذا الاتفاق خطوة جادة نحو اخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ولذلك فإن التصريح الاماراتي سالف الذكر أشار في إحدى فقراته إلى أن " الاتفاق سيرسل إشارة إيجابية حول الحرص على الا تدخل المنطقة دوامة الانتشار النووي بكل ما يحمله ذلك من مخاطر تهدد الامن والاستقرار، ودون تحقيق ذلك فلن نتمكن من البناء الايجابي على الاتفاق النووي وسينعكس ذلك خطورة بالغة على المنطقة وشعوبها"، هي موافقة مشروطة إذن كما ذكرت سالفاً، وكانت تمثل موقفاً رائعاً من الدبلوماسية الإماراتية التي تدرك طريقها جيداً، وتتعامل بحسن نية مع دول الجوار حتى يثبت العكس، وها هو ذد ثبت واتضح سوء النية المبين، فلمَ لا تغير الامارات موقفها وتتخذ موقفاً جديداً قائماً على معطيات اللحظة الواضحة للعيان؟!
سطوري هذا اكتبها لتوثيق المواقف وتذكير من لم يتابع ويستوعب أبعاد الموقف الاماراتي وينتقد من دون إدراك مبررات المواقف وخلفيات القرارات، التي تصدر عن دراسة ووعي بمعطيات الحاضر والماضي.