من يتابع خطوات رئيس الوزراء الاثيوبي الشاب د.آبي أحمد يلحظ بسهولة أن الرجل يمتلك أجندة تنموية طموحة لاستنهاض اثيوبيا ودورها في القارة الافريقية، فهذا البلد العملاق سكانيًا، بتعداد يفوق المائة مليون نسمة يمتلك قدرة كبيرة على النمو والتطور لاسيما في المجال الزراعي.
يمتلك رئيس الوزراء الاثيوبي رؤية تخطيطية واضحة لبلاده نابعة من خبرته العميقة بإشكاليات بلاده، وهي رؤية قائمة على بناء السلام، وقد استهلها بإنهاء الصراع التاريخي مع اريتريا الجارة اللدود لبلاده، ووقع اتفاق سلام تاريخي مع أسمرة برعاية سعودية.
هذا الاتفاق يطوي تمامًا صفحة مظلمة في تاريخ منطقة القرن الافريقي، ويفتح المجال امام القيادة الاثيوبية لتحقيق رؤيتها التنموية القائمة بالأساس على "سد النهضة" الذي يوفر الطاقة الكهربائية التي تحتاجها البلاد، وهو سد يمكن أن يتحول إلى جسر للتعاون والتنمية بين اثيوبيا ودول المصب، مصر والسودان، في حال حققت المفاوضات المتواصلة بين دول حوض النيل تقدمًا وتم تغليب التعاون والتفاهم ومصالح شعوب النيل على ما عداها من خلافات وتباينات في وجهات النظر.
تبدو ملامح الرؤية التحديثية لرئيس الوزراء الاثيوبي أيضًا من بعض المواقف منها تشكيل الحكومة الجديدة، التي حظيت فيها المرأة بعشر حقائب وزارية تمثل نصف عدد وزراء الحكومة، وهو امر يبدو صعب التصديق في دولة افريقية بشكل عام، والأكثر أهمية أن رئيس الوزراء الاثيوبي أبدى في خطابه قناعة عميقة بدور المرأة، حيث قال أحمد في خطاب إعلان الحكومة أمام البرلمان إن المرأة ستساعد في محاربة الفساد لأنها أكثر كفاءة، و"أقل فسادًا من الرجل".
الأكثر أهمية أن أحمد كلف امرأة بتولي مهام وزارة الدفاع للمرة الأولى في تاريخ بلاده، بل وفي تاريخ القارة الافريقية بشكل عام، بل اسند إلى هذه المسلمة المحجبة مهمة الإشراف على ضبط الأمن والسيطرة على الفصائل المسلحة التي قادت تمردًا في شرق البلاد.
أن تتولى امرأة حقيبة وزارة الدفاع في دول افريقية، فهذا يتطلب قيادة تمتلك رؤية تحديثية عميقة، وهكذا يبدو آبي أحمد الذي يدرك جيدًا إشكاليات اثيوبيا ومتاعبها، فقد برر إسناد نصف حقائب حكومته إلى النساء لاعتبارات تتعلق أساسًا بمكافحة الفساد، فالمرأة، بنظره الأكثر كفاءة في مكافحة الفساد، وهي أيضًا الأقل فسادًا مقارنة بالرجال، باعتبار أن الفساد يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه التنمية وفرص جلب الاستثمارات الخارجية إلى اثيوبيا.
تقوم هذه الرؤية التحديثية أيضًا على ترشيد الانفاق، حيث قلص أحمد الحقائب الوزارية من 28 حقيبة إلى 20 حقيبة فقط، من بينها وزارة للسلام، وهي مسألة مهمة في بلد يحتاج كفاءات تعمل على بناء السلام الداخلي، وتكريس السلام مع دول الجوار الإقليمي. واختبار أحمد لهذه الوزارة رئيسة البرلمان السابقة مافريات كامل، واسند إليها أيضًا مسؤولية الإشراف على جهاز الاستخبارات وجهاز الأمن، بما في ذلك لجنة الشرطة الاتحادية في البلاد.
معنى هذا أن وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات في اثيوبيا بات مسؤولية قيادات نسائية اثيوبية، وهذا يعكس حجم ثقة القيادة الاثيوبية في قدرات المرأة الاثيوبية ونجاحها في أداء المهام التي تسند إليها، علمًا بأن رئيس الوزراء د. آبي أحمد يعرف جيدًا خبايا السياسة الاثيوبية وقادر على سبر أغوارها ولا يغامر بإسناد حقائب لمجرد تجميل صورة اثيوبيا في الخارج أو غير ذلك، وإلا ما كان الأمر تعلق بوزارات ذات ثقل استراتيجي كبير مثل الدفاع والأمن الداخلي.
يجمع المتخصصون في الشأن الافريقي على أن آبي احمد سياسي اثيوبي من طراز رفيع المستوى، وخبير بشؤون دولته، ويمتلك مؤهلات اكاديمية وعسكرية وأمنية وسياسية محط اعجاب وتقدير منتقديه قبل مؤيديه، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أديس أبابا ويحمل درجة الماجستير من الولايات المتحدة وبريطانيا، وعمل سابقا وزيرا في الحكومة وكان له دور أساسي في تأسيس وكالة الاستخبارات في البلاد، ما يعني أنه يدرك جيدًا أبعاد ما يفعله وفرص تحقق رؤيته التنموية.
خبرة رئيس الوزراء الاثيوبي الشاب تشمل، إلى جانب إمكاناته العلمية والأكاديمية، العمل في المؤسسة العسكرية والأمنية والعمل الحزبي والبرلماني، وهذا يجعله موضع ثقة الشعب والتيارات السياسية الاثيوبية، وهي في مجملها خبرات تصب في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، لأنها تسهم في تحويل اثيوبيا إلى قوة سلام واستقرار ويجعل منها قوة إقليمية صاعدة.