لم يكن اتفاق استكهولم الذي تم توقيعه الشهر الماضي برعاية أممية بين الحكومة الشرعية في اليمن ووفد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، يمثل خطوة سياسية جيدة فقط، بل تمثل انعطافة نوعية باتجاه كشف الحقائق على أرض الواقع. فرغم أن وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، قد اعتبر أن الاتفاق حول «الحديدة إنجاز، لأنه يتضمن انسحاب الحوثيين للمرة الأولى منذ الانقلاب على الحكومة الشرعية قبل أكثر من 4 سنوات»، وأضاف أنه «للمرة الأولى في تاريخ الانقلاب الذي قادته ميليشيات الحوثي، تقبل الأخيرة بالانسحاب من مدينة الحديدة ومينائها. ستعود المدينة إلى السلطات الشرعية وهذا يعد إنجازًا، وستبقى الحديدة ممرًا آمنًا لمساعدات الإِنسانية»، فإن هذا الاتفاق ينطوي أيضًا على أمور كاشفة للحقائق، فعندما تتوقف الخيول عن القتال يهدأ الغبار كما يقال، وهذا الهدوء قد وفر فرصة ثمينة للمنظمات الإِنسانية الدولية كي تتعرف على حقيقة ما يحدث بشأن الجوانب الإِنسانية، حيث استندت الأمم المتحدة طيلة السنوات القلائل الماضية في رؤيتها للمشهد الإِنساني في اليمن على تقارير مغرضة ومعلومات موجهة تصدر عن مؤسسات لها علاقات وارتباطات بدول معينة في المنطقة، تمتلك أجندة معادية للتحالف العربي، وتسعى بكل قوة إلى تشويه صورة دول التحالف من أجل جلب الضغوط الدولية وإيقاف العمليات العسكرية ومنح الحوثيين فرصة جديدة لاستعادة السيطرة على المناطق والمحافظات التي اندحرت فيها ميليشياتهم في اليمن الشقيق.
بعد تنفيذ الاتفاق بأيام قلائل، وبوتيرة أسرع مما يتوقع، اتهم برنامج الأغذية العالمي، الحوثيين بتحويل مواد الإغاثة إلى غير المستحقين مطالبًا بالتحقيق مع المتورطين وإقالتهم، وقال هيرفي فيرهوزل المتحدث باسم البرنامج «كشفت عمليات الرصد عن سبعة مراكز توزيع بالعاصمة صنعاء تقوم عليها منظمة محلية متعاونة مع البرنامج وترتبط بالحوثيين قامت بتحويل ما يصل إلى 1200 طن مترى من الطعام إلى غير المستحقين.
وأكد فيرهوزل أن هناك عمليات بيع للمواد الغذائية بكميات كبيرة في الأسواق اليمنية، واشتبهت المنظمة الأممية في أنه كان يتم تحويل مسار الإغاثة وبيعها من قبل المنظمة المحلية التي تتشارك مع الأمم المتحدة عملية توزيع المساعدات!
هذه الحقيقة الكاشفة ليست طارئة، ولا عابرة، بل تلخص كل ما يحدث في مجال المساعدات الإِنسانية طيلة السنوات الأربع الماضية، حيث تتعمد ميليشيات الحوثي الاستيلاء على المساعدات وبيعها من أجل تحقيق هدفين أولهما تعزيز مواردها المالية وضمان استمرار ولاء اتباعها والموالين لها بإغداق الأموال عليهم، ولو من خلال المتاجرة بقوت الشعب اليمني الذي تزعم الدفاع عنه وحمايته!
والهدف الثاني هو تنفيذ مخطط لتعميق الأزمة الإِنسانية في اليمن ثم المتاجرة بمظاهر الألم والمعاناة الإِنسانية وخداع المنظمات الدولية وإثارة اتهامات ومزاعم لا صلة لها بالواقع بشأن المعاناة الإِنسانية المترتبة على عمليات التحالف العربي في هذا البلد الشقيق!
الحقيقة أن ميليشيات الحوثي تدرك أن التأثير في سمعة دول التحالف والسعي لاهتزاز هذه الصورة يمثل إنجازًا كبيرًا لهذه الميليشيات ورعاتها الإيرانيين، فدولة الإمارات، على سبيل المثال، تعد من الدول التي تمتلك صورة ذهنية ناصعة البياض عالميًا، ولديها قوة ناعمة هائلة تعتمد في جزء كبير منها على الأيادي البيضاء للدولة منذ تأسيسها في عام 1971، حيث اقترن اسم الإمارات وقيادتها الرشيدة دومًا بالخير والعطاء، ومن ثم فإن الانقلابيين كانوا يدركون منذ البداية أن العمل على ترويج اتهامات زائفة للإمارات والسعودية بالتسبب في معاناة إِنسانية باليمن سيكون له أثر بالغ وقد يدفع الدولتين لإيقاف العمليات العسكرية.
تفكير تآمري ليس ضد الإمارات فقط بل هو بالأساس ضد الشعب اليمني، فدولة الإمارات من أكثر الدول تقديمًا للمساعدات الإِنسانية في اليمن، حيث قدمت مساعدات إِنسانية هائلة، واتخذت إجراءات كثيرة من أجل فتح المناطق المحررة للمساعدات الإِنسانية حيث بلغ حجم المساعدات الإماراتية المقدمة لليمن خلال الفترة من أبريل 2015 إلى ديسمبر 2018، نحو 18.06 مليار درهم (4.91 مليارات دولار أمريكي)، استفاد منها ما يزيد على 17 مليون يمني منهم 11 مليون طفل، و3.2 مليون من النساء، وهي ليست فقط مساعدات غذائية بل تأخذ في معظمها طابعًا تنمويًا، وهذا ما يميز مساعدات الإمارات بشكل عام، حيث عملت الدولة على بناء المدارس والمستشفيات والطرق ومحطات المياه والكهرباء، أي دعم البنية التحتية من أجل دعم فرص التنمية وبناء أفق مستقبلي لهذا الشعب الشقيق.
ارهاصات حقائق الموقف على الأرض بدأت وسيكتشف العالم قريبًا كيف سعى الحوثيين إلى تدمير اليمن والاستيلاء على مقدراته وتوظيفها من أجل خدمة المشروع التوسعي الإيراني المضاد لأمن واستقرار دول مجلس التعاون.