في يوليو من العام الماضي، وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لأبوظبي، اتفقت دولة الامارات وجمهورية الصين على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعمق وتأسيس علاقات شراكة استراتيجية شاملة، وبعد مرور عام كامل وفي التوقيت ذاته تقريباً، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارة إلى بكين مؤخراً، حيث وقع الجانبان 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم، من أجل تعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
أهمية توقيت الزيارة لا يعكس فقط مستوى الصداقة والتنسيق والترابط والتفاهم بين قيادتي البلدين، بل يرتبط شكل كامل بمسار ومسيرة هذه العلاقات الاستراتيجية المتنامية، التي تمتلك درجة عالية من الخصوصية والحيوية في آن معاً، فالإمارات والصين منذ تأسيس علاقاتهما في نوفمبر 1984، يمتلكان رؤية مشتركة لتطوير هذه العلاقات والاستفادة من قدرات وامكانيات بعضهما البعض من أجل تحقيق أهداف وطموحات ومصالح الدولتين والشعبين الصديقين.
ولا شك أن نظرة واحدة على تطور هذه العلاقات يؤكد أنها تمضي وفق أجندة لا علاقة لها بالمتغيرات الإقليمية والدولية، فصيفة الشراكة الاستراتيجية للعلاقات قائمة منذ عام 2012، وتمت ترقيتها، كما ذكرت، إلى صيغة الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام 2018، تتويجاً لمسيرة طويلة من التعاون الذي أثمر شراكات عميقة في مختلف مجالات التنمية.
ومن المعلوم أن دولة الامارات تمتلك رؤية استراتيجية طموحة تستهدف أرقى مؤشرات التنافسية العالمية، وبالتالي فإن مثل هذه الأهداف تتطلب انفتاحاً وتعاوناً عميقين مع جميع دول العالم، ولاسيما قوة اقتصادية ذات تأثير هائل في الاقتصاد العالمي مثل الصين، التي تمتلك دوراً كبيراً وحضوراً مؤثراً ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والتنموي، ولكن أيضاً على الصعد الاستراتيجية كافة، فضلاً عن ارتباطها بشكل قوي بمنطقة الخليج العربي سواء من خلال صادرات الطاقة، أو من خلال التعاون المشترك مع دولة الامارات ودول أخرى في مجلس التعاون ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
التعاون الاستراتيجي المتنامي بين الامارات والصين، يعكسه الواقع والأرقام قبل الكلمات والبيانات الرسمية المشتركة، فهناك أكثر من 200 ألف مواطن صيني يعملون ويستثمرون في دولة الامارات، وهناك نحو 4000 شركة صينية، وهناك تبادل تجاري سنوي تجاوز سقف ألـ 50 مليار دولار، أي أننا أمام شبكة مصالح ضخمة تجمع البلدين وتجعل منهما شركاء استراتيجيين في غاية الأهمية لبعضهما البعض، فالصين تنظر إلى الامارات باعتبارها "واحة التنمية في العالم العربي" كما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أضاف أن "البلدين الصديقين يكملان بعضهما البعض في التنمية، وشريكان مهمان للتواصل والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية، لما لديهما من رؤى تنموية متقاربة، وأهداف سياسية متطابقة، وروابط تعاون متنامية"، مؤكداً أنه "رغم البعد الجغرافي بين الصين والإمارات، إلا أنهما موطن لشعوب محبة للكفاح والإبداع والحلم"، وهذه الروابط الوثيقة والرؤى الطموحة التي تجمع البلدين والقيادتين والشعبين تمثل اساساً قوياً لعلاقات مزدهرة تمثل نموذجاً في الشراكة الاستراتيجية بين الدول.
الصين ثاني اقوى اقتصاد عالمي وصاحبة اول احتياطي عالمي من العملات الأجنبية، وحققت معدل النمو الأكبر عالمياً في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمسة الماضية، وتتربع على عرش الصادرات العالمية، ولو أضفنا لما سبق مكامن القوة الاستراتيجية التقليدية مثل عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وتأثيرها الاستراتيجي العالمي الكبير، والتوقعات التي ترشحها كي تكون قطباً عالمياً في نظام متعدد الأقطاب، يمكن أن نفهم كيف تمضي علاقات البلدين لمصلحة مشتركة، وكيف لا والصين تمضي سريعاً في مبادرة "الحزام والطريق" التي تشارك فيها نحو 70 دولة، تمثل نحو 65% من عدد سكان العالم، ونحو 40% من ناتجه المحلي، وترفع شعار "نفوز معاً" وتعتبر هذه المبادرة منصة للبناء والفوز المشترك.
الحقيقة أن تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الامارات والصين لا يمثل بحثاً عن بديل أو خيار استراتيجي لعلاقات أخرى مع حلفاء آخرين، بل تمثل توسيعاً لنطاقات التعاون والخيارات الاستراتيجية المفتوحة للاقتصاد الاماراتي كيس يتوسع وينمو ويحقق أهدافه الطموحة، فكل علاقة من علاقات دولة الامارات مع القوى الكبرى تمضي في مسار منفرد ولها أهداف وتطلعات تختلف عن الأخرى، ولا تضارب ولا تباين ولا تعارض في هذه العلاقات، فسقف الطموح الاماراتي للقرن الحادي والعشرين عال، ويستلزم البحث عن الفرص وتوسيع مجالات العمل والتنمية والإنتاج، وكل من يحقق خير وازدهار سعادة الشعوب جميعها لا شعب الامارات فقط، فالدولة التي تتحمل مسؤولية بناء القدوة والنموذج وتدرك انها تحمل مشاعل النور والأمل في منطقة لا يسمع العالم منها سوى الكثير من اخبار الصراعات والفتن والمؤامرات، والقليل من النجاحات والايجابيات، تتحمل أيضاً عبء ومسؤولية النجاح تلو الآخر للإبقاء على جذوة الحلم والأمل في نفوس عشرات الملايين من أبناء منطقتنا والعالم أجمع.